ولما كان الإنكاء من هذا ما لمن كان رجاء نفعه أعظم، ثم ما لمن يكون العار به أقوى وأحكم ؛ رتبهم هذا الترتيب فقال :﴿من الرجال والنساء والولدان﴾ أي المسلمين الذين حبسهم الكفار عن الهجرة، وكانوا يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، وكل منهما كافٍ في بعث ذوي الهمم العالية والمكارم على القتال، ثم وصفهم بما يهيج إلى نصرهم ويحث على غياثهم فقال :﴿الذين يقولون﴾ أي لا يفترون ﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا بإخراجنا من الظلمات إلى النور ﴿أخرجنا من هذه القرية﴾ ثم وصفوها بالحامل على هذا الدعاء فقالوا :﴿الظالم أهلها﴾ أي بما تيسره لنا من الأسباب ﴿واجعل لنا من لدنك﴾ أي من أمورك العجيبة في الأمور الخارقة للعادات ﴿ولياً﴾ يتولى مصالحنا.
ولما كان الولي قد لا يكون فيه قوة النصر قالوا :﴿واجعل لنا﴾ ولما كانوا يريدون أن يأتيهم خوارق كرروا قولهم :﴿من لدنك نصيراً﴾ أي بليغ النصر إلى حد تعجب منه المعتادون للخوارق، فكان بهذا الكلام كأنه سبحانه وتعالى قال : قد جعلت لكم الحظ الأوفر من الميراث، فما لكم لا تقاتلون في سبيلي شكراً لنعمتي وأين ما تدّعون من الحمية والحماية! ما لكم لا تقاتلون في نصر هؤلاء الضعفاء لتحقق حمايتكم للذمار ومنعكم للحوزة وذبكم عن الجار !. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٨٠ ـ ٢٨١﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
الخطاب في قوله :﴿ ومالكم لا تقاتلون ﴾ التفات من طريق الغيبة، وهو طريق الموصول في قوله :﴿ الذين يَشرون الحياة الدنيا بالآخرة ﴾ إلى طريق المخاطبة.
ومعنى ﴿ ما لكم لا تقاتلون ﴾ ما يمنعكم من القتال، وأصل التركيب : أي شيء حقّ لكم في حال كونكم لا تقاتلون، فجملة ﴿ لا تقاتلون ﴾ حال من الضمير المجرور للدلالة على ما منه الاستفهام.