فائدة
قال ابن عاشور :
والقرية هي مكّة.
وسألوا الخروج منها لِما كدّر قدسها من ظلم أهلها، أي ظلم الشرك وظلم المؤمنين، فكراهية المقام بها من جهة أنّها صارت يومئذٍ دار شرك ومناواة لدين الإسلام وأهلِه، ومن أجل ذلك أحلّها الله لرسوله أن يقاتل أهلها، وقد قال عباس بن مرداس يفتخر باقتحام خيل قومه في زمرة المسلمين يوم فتح مكة :"
شَهِدْنَ مع النبي مُسَوّمَاتٍ
حُنَيْناً وهي دَامية الحَوامي
وَوقْعَةَ خَالدٍ شَهِدَتْ وحَكَّتْ
سَنَابِكَها على البَلَدِ الحرام ". أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٨٧ ـ ١٨٨﴾
سؤال : لقائل أن يقول : القرية مؤنثة، وقوله :﴿الظالم أَهْلُهَا﴾ صفة للقرية ولذلك خفض، فكان ينبغي أن يقال : الظالمة أهلها، وجوابه أن النحويين يسمون مثل هذه الصفة الصفة المشبهة باسم الفاعل، والأصل في هذا الباب : أنك إذا أدخلت الألف واللام في الأخير أجريته على الأول في تذكيره وتأنيثه، نحو قولك : مررت بامرأة حسنة الزوج كريمة الأب، ومررت برجل جميل الجارية، وإذا لم تدخل الألف واللام في الأخير حملته على الثاني في تذكيره وتأنيثه كقولك : مررت بامرأة كريم أبوها، ومن هذا قوله تعالى :﴿أَخْرِجْنَا مِنْ هذه القرية الظالم أَهْلُهَا﴾ ولو أدخلت الألف واللام على الأهل لقلت من هذه القرية الظالمة الأهل، وإنما جاز أن يكون الظالم نعتا للقرية لأنه صفة للأهل، والأهل منتسبون إلى القرية، وهذا القدر كاف في صحة الوصف كقولك مررت برجل قائم أبوه، فالقيام للأب وقد جعلته وصفا للرجل، وإنما كان هذا القدر كافيا في صحة الوصف لأن المقصود من الوصف التخصيص والتمييز، وهذا المقصود حاصل من مثل هذا الوصف، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٤٦﴾
لطيفة
قال القاسمى ما نصه :
قال ناصر الدين فى ( الانتصاف ) وقفت على نكة فى هذه الآية حسنة.
وهى أن كل قرية فى الكتاب العزيز، فالظلم ينسب إليها بطريق المجاز. كقوله :﴿وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة﴾ ـ إلى قوله ـ ﴿فكفرت بأنعم الله﴾ وقوله ﴿وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها﴾
وأما هذه القرية ( فى سورة النساء ) فينسب الظلم إلى أهلها على الحقيقة ؛ لأن المراد بها مكة، فوقرت عن نسبة الظلم إليها، تشريفا لها، شرفها الله تعالى. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٢ صـ ٢٣١﴾