وساعة يطرح ربنا مثل هذه القضية يطرحها على أساس أن كل الناس يستوون عند رؤيتها في أنها تكون مثاراً للعجب لديهم، مثلها مثل قوله الحق :
﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾
[البقرة : ٢٨].
يعني كيف تكفرون بربنا أيها الكفار ؟ إن هذه مسألة عجيبة لا تدخل في العقل، فليقولوا لنا إذن : كيف يكفرون بربنا ؟
﴿ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ ﴾ وكلمة " والمستضعفين " يأتي بعدها " من الرجال " والمفروض في الرجل القوة، وهذا يلفتنا إلى الظرف الذي جعل الرجل مستضعفاً، ومَنْ يأتي بعده أشد ضعفاً. ﴿ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً ﴾ فقد بلغ من اضطهاد الكفار لهم أن يدعوا الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها، والقرية هي " مكة ".
وقصة هؤلاء تحكي عن أناس من المؤمنين كانوا بمكة وليست لهم عصبية تمكنهم من الهجرة بعد أن هاجر رسول الله ﷺ، فهم ممنوعون من أن يهاجروا، وظلوا على دينهم، فصاروا مسضعفين : رجالاً ونساءً وولداناً، فالاضطهاد الذي أصابهم اضطهاد شرس لم يرحم حتى الولدان، فيقول الحق للمؤمنين :﴿ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ ﴾ :
وهؤلاء عندما استضعفوا ماذا قالوا ؟.
قالوا :﴿ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً ﴾ وعبارة الدعاء تدل على أنهم لن يخرجوا بل سيظل منهم أناس وثقوا في أنه سوف يأتيهم وليّ يلي أمرهم من المسلمين، فكأنها أوحت لنا بأنه سيوجد فتح لمكة. وقد كان.