أجدادنا إلا أن هذا المكان هكذا منذ كان. فهذا أعجب شيء رأيته في سياحتي. فسبحان مبيد العباد ومفني البلاد ووارث الأرض ومن عليها وباعث من خلق منها بعد رده إليها. ولبعضهم :

قف بالديار فهذه آثارهم تبكي الأحبة حسرة وتشوقا
كم قد وقفت بها أسائل أهلها عن حالها مترحماً أو مشفقا
فأجابني داعي الهوى في رسمها فارقت من تهوى وعز الملتقى
ولبعضهم :
أيها الربع الذي قد دثرا وكان عيناً ثم أضحى أثرا
أين سكانك ماذا فعلوا خبرن عنهم سقيت المطرا
فلقد نادى منادي دارهم رحلوا واستودعوني عبرا
وقال عيسى عليه الصلاة والسلام : أوحى الله إلى الدنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه، يا دنيا مري على أوليائي ولا تحلي لهم فتفتنيهم، وقال بعض الحكماء : الدنيا كالماء المالح كلما ازداد صاحبها شراباً ازداد عطشاً، أو كالكأس من عسل وفي أسفله سم فللذائق منه حلاوة عاجلة وفي أسفله الموت، أو كحلم النائم يفرح في منامه فإذا استيقظ زال فرحه أو كالبرق يضيء قليلا ثم يذهب. ولما بنى المأمون قصره الذي ضرب به المثل نام فيه فسمم قائلا يقول :
أتبني بناء الخالدين وإنما بقاؤك فيها إن عقلت قليل
لقد كان في ظل الأراك كفاية لمن كل يوم يقتضيه رحيل
قال، فلم يلبث بعدها إلا قليلا ومات وقال :
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض على الماء خانته فروج الأصابع
ووجد مكتوب على قصر باد أهله :
هذي منازل أقوام عهدتهم في خفض عيش نفيس ماله خطر
صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا إلى القبور فلا عين ولا أثر
ولو قيل للدنيا صفي نفسك ما عدت ما وصفها به أبو نواس بقوله :


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
وما الناس إلا هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق