وقال الآلوسى :
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت ﴾ يحتمل أن يكون ابتداء كلام مسوق من قبله تعالى بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن سيد المخاطبين ﷺ إلى ما ذكر أولاً اعتناءاً بإلزامهم إثر بيان حقارة الدنيا وفخامة الآخرة بواسطته ﷺ فلا محل للجملة من الإعراب، ويحتمل أن يكون داخلاً في حيز القول المأمور به، فمحل الجملة النصب، وجعل غير واحد ما تقدم جواباً للجملة الأولى من قولهم، وهذا جواباً للثانية منه، فكأنه لما قالوا :﴿ لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القتال ﴾ ؟ أجيبوا ببيان الحكمة بأنه كتب عليكم ليكثر تمتعكم ويعظم نفعكم لأنه يوجب تمتع الآخرة، ولما قالوا :﴿ لَوْلا أَخَّرْتَنَا ﴾ [ النساء : ٧٧ ] ؟! الخ أجيبوا بأنه : أينما تكونوا في السفر أو في الحضر يدرككم الموت لأن الأجل مقدر فلا يمنع عنه عدم الخروج إلى القتال، وفي التعبير بالإدراك إشعار بأن القوم لشدة تباعدهم عن أسباب الموت وقرب وقت حلوله إليهم بممر الأنفاس والآنات كأنهم في الهرب منه وهو مجد في طلبهم لا يفتر نفساً واحداً في التوجه إليهم، وقرأ طلحة بن سليمان ﴿ يُدْرِككُّمُ ﴾ بالرفع، واختلف في تخريجه فقيل : إنه على حذف الفاء كما في قوله على ما أنشده سيبويه :
من يفعل الحسنات الله يشكرها...
والشر بالشر عند الله ( مثلان )
وظاهر كلام "الكشاف" الاكتفاء بتقدير الفاء، وقدر بعضهم مبتدأ معها أي فأنتم يدرككم، وقيل : هو مؤخر من تقديم، وجواب الشرط محذوف أي يدرككم الموت أينما تكونوا يدرككم واعترض بأن هذا إنما يحسن فيما إذا كان ما قبله طالباً له كما في قوله :
يا أقرع بن حابس يا أقرع...
إنك إن ( يصرع أخوك تصرع )


الصفحة التالية
Icon