" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله :﴿ كَأَن لَّمْ تَكُنْ ﴾ هذه " كأن " المُخَفَّفَةُ [ من الثَّقيلَة ] وعملُها باقٍ عند البَصْرِيّين، [ وزعم الكُوفيُّون أنها حين تَخْفِيفها لا تَعْمَل كما لا تعملُ " لَكن " مُخَفَّفَة عند الجُمْهُور، وإعْمَالُها عند البَصْرِيِّين ] غَالباً في ضَمِير الأمْرِ والشَّأن، وهو وَاجِبُ الحَذْفِ، ولا تَعْمَل عِنْدَهُم في ضَمِير غَيْرِ ؛ ولا فِي اسْم ظَاهِر إلا ضَرُورةً، كقوله :[ الهزج ]
وَصَدْرٍ مُشْرِقِ النَّحْر... كَأنَّ ثَدْيَيْه حُقَّانِ
وقول الآخر :[ الطويل ]
وَيَوْمَاً تُوَافِينَا بِوَجْهٍ مُقَسَّمٍ... كأنْ ظَبْيَةً تَعْطُو إلَى وَارِقِ السُّلَمْ
في إحْدى الرِّوَايات، وظَاهِرِ كلام سَيَبويْه : أنَّها تَعْمَل في غير ضميرِ الشَّأنِ في غير الضَّرُورَة، والجُمْلَة المنْفِيَّة بعدها في مَحَلِّ رَفع خَبَراً لَهَا، والجملة بَعْدَهَا إن كانت فِعليَّة فتكون مُبْدوءَة بِ " قَدْ " ؛ كقوله :[ الخفيف ]
لا يَهُولَنَّكَ اصْطِلاؤُكَ لِلْحَرْ... بِ فَمَحْذُورُهَا كَأنْ قَدْ ألَمَّا
أو بـ " لَمْ " كهذه الآية، وقوله :﴿ كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس ﴾ [ يونس : ٢٤ ] وقد تُلُقِيتْ بـ " لَمَّا " في قول عمَّار الكلبي :[ الرمل ]
بَدَّدَتْ مِنْهَا اللَِّيَالِي شَمْلَهُمْ... فَكَأنْ لَمّض يَكُونُوا قَبْلَ ثَمْ
قال أبو حيَّان : ويحتاج مِثْل هذا إلى سَمَاعِ من العَرَبِ، وقال ابن عَطِيَّة :" وكأن " مُضَمَّنة مَعْنَى التَّشْبيه، ولكنها لَيْسَتْ كالثَّقِيلَةَ في الاحْتِيَاج إلى الاسْم والخَبَر، وإنما تَجيءُ بعدها الجُمَل، وظَاهِرِ هذه العِبَارَة : أنها لا تَعْمَلُ عند تَخْفِيفها، وقد تقدَّم أن ذَلِك قَوْل الكُوفيين لا البَصْرِييِّن، ويُحْتَمَل أنه أراد بذلك أن الجُمْلَة بعدها لا تَتَأثَّر بها لَفْظاً ؛ لأن اسْمَهَا مَحْذُوف، والجُمْلَة خَبَرُها.
وقرأ ابن كثير، وحفص من عاصم، ويعقوب :[ يَكُنْ ] بالياء ؛ لأن المَوَدَّة في مَعْنَى الوُد [ و] لأنه قد فُصِلَ بَيْنَها وبَيْن فِعْلِها، والبَاقُون : بالتَّاء اعْتِبَاراً بلَفْظِها.
قال الواحدي : وكِلْتَا القراءَتَين قد جَاء التَّنْزِيل به ؛ قال ﴿ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ يونس : ٥٧ ] وقال :﴿ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ ﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ] فالتأنيث هو الأصْلُ، والتَّذْكِير يَحْسُن إذا كان التَّأنِيثُ غير حَقِيقيّ، لا سيِّما إذا وقع فَاصِل بين الفِعْل والفَاعِل، و" يكُون " يحتمل أن تكُون تَامَِّةٌ، فيتعلق الظَّرْفُ بها، أو بِمَحْذُوفٍ، لأنَّه حالٌ ممن " مودة " إذ هو في الأصْلِ صِفَة نكرة قُدِّم عليها، وأن تكُون نَاقِصة، فيتَعَلَّق الظَّرْف بمحذوفٍ على أنه خَبرَهَا، واخْتَلَفُوا في هَذِه الجُمْلَة على ثلاثةِ أقْوَالٍ :