الأوّل : أنها اعْتِرَاضيَّة لا مَحَلَّ لها من الإعْرَابِ، وعلى هَذَا فما المُعْترض بَيْنَهما ؟ فيه وجهان :
أحدهما : أنَّهَا مُعْتَرِضَة بين جُمْلَة الشَّرْطِ التي هِيَ ﴿ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ ﴾ وبين جُمْلَة القَسَم التي هي " وَلَئِنْ أصَابَكُمْ "، والتَّقْدير :﴿ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ ﴾ قال ﴿ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً ﴾ كأن لم تكن بينكم [ وبينه مودة، ولئن أصابكُم فَضْل.
فأخرت الجُمْلَة المعترض بها أعني قوله ] ﴿ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ ﴾ والنية بها التوسط، وهذا قول الزجاج وتبعه الماتُريدي، وردَّ الرَّاغِب الأصْبَهاني هذا القَوْل بأنَّه مستَقْبَحٌ، لأنه لا يَفْصِل بين بَعْض الجملة [ وبَعْض ] ما يتعلَّق بِجُمْلة أخْرَى.
قال شهاب الدين : وهَذَا من الزَّجَّاج كأنه تَفْسِير مَعْنَى لا إعْرَاب، على مَا يأتِي ذِكْرُه عَنْهُ في تفسير الإعْرَاب.
الوجه الثاني : أنها مُعْتَرِضَة بين القَوْل ومَفْعُوله، والأصْل : ليقولنَّ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُم كأن لَمْ يكُن، وعلى هذا أكثر النَّاسِ، وقد اخْتَلَفَت عِبَاراتُهم في ذَلِك، ولا يَظْهَرُ المَعْنَى إلا بِنَقْل نصوصهم فَلْنَنْقُلْهَا.
فقال الزَّمَخْشَري : اعْتِرَاضٌ بين الفِعْلِ الَّذي هو " ليقولن " وبين مَفْعُولِهِ وهو " يا ليتني " والمعنى : كأنَّه لم يتقدم له مَعَكُم مَوَدَّة ؛ لأن المُنَافِقِين كانوا يُوادُّون المؤمنين في الظَّاهر أنَّه تَهكُّم ؛ لأنهم كَانُوا أعْدَى عَدُوٍّ للمؤمِنِين، وأشدَّهم حَسَداً لهم، فكيف يُوصَفُون بالمَوَدَّة إلا على وَجْهِ العَكْسِ والتَّهَكُّم.
وقال الزَّجَّاج : هذه الجُمْلَة اعْتِرَاضٌ، أخبر - تعالى - بذلك ؛ لأنَّهُم كانوا يُوادُّون المؤمنين.