ولا يجوز أن تكون الحسنة هاهنا الطاعة والسيئة المعصية كما قالت القدرية ؛ إذ لو كان كذلك لكان ما أصبت كما قدّمنا، إذ هو بمعنى الفعل عندهم والكسب عندنا، وإنما تكون الحسنة الطاعة والسيئة المعصية في نحو قوله :﴿ مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ] وأما في هذه الآية فهي كما تقدّم شَرْحُنا له من الخِصب والجَدْب والرخاء والشدّة على نحو ما جاء في آية "الأعراف" وهي قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين وَنَقْصٍ مِّن الثمرات لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٣٠ ].
﴿ بالسنين ﴾ بالجدب سنةً بعد سَنَة ؛ حبس المطر عنهم فنقصت ثمارهم وغلت أسعارهم.
﴿ فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هذه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ ﴾ [ الأعراف : ١٣١ ] أي يتشاءمون بهم ويقولون هذا من أجل اتباعنا لك وطاعتنا إياك ؛ فردّ الله عليهم بقوله :﴿ ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله ﴾ [ الأعراف : ١٣١ ] يعني أن طائر البركة وطائر الشؤم من الخير والشر والنفع والضرّ من الله تعالى لا صُنع فيه لمخلوق ؛ فكذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم أنهم يضيفونه للنبيّ ﷺ حيث قال :﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله ﴾ كما قال :﴿ ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله ﴾ [ الأعراف : ١٣١ ] وكما قال تعالى :﴿ وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان فَبِإِذْنِ الله ﴾ [ آل عمران : ١٦٦ ] أي بقضاء الله وقَدَره وعلمه، وآياتُ الكتاب يشهد بعضها لبعض.


الصفحة التالية
Icon