ولما كان الإنسان من عادته إثبات الأمور التي يريد تخليدها بالكتابة أجرى الأمر على ذلك فقال :﴿والله﴾ أي والحال أن الملك المستجمع لصفات الكمال ﴿يكتب ما يبيتون﴾ أي يجددون تبييته كلما فعلوه، وهو غني عنه ولكن ذلك ليقربهم إياه يوم يقوم الأشهاد، ويقيم به الحجة عليهم على ما جرت به عاداتهم، أو يوحى به إليك فيفضحهم بكتابته وتلاوته مدى الدهر، فلا يظنوا أن تبييتهم يغنيهم شيئاً.
ولما تسبب عن ذلك كفايته ﷺ هذا المهم قال :﴿فأعرض عنهم﴾ أي فإنهم بذلك لا يضرون إلا أنفسهم ﴿وتوكل﴾ أي في شأنهم وغيره ﴿على الله﴾ أي الذي لا يخرج شيء عن مراده ﴿وكفى بالله﴾ أي المحيط علماً وقدرة ﴿وكيلاً﴾ فستنظر كيف تكون العاقبة في أمرك وأمرهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٨٥ ـ ٣٨٦﴾

فصل


قال الفخر :
﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ﴾ أي ويقولون إذا أمرتهم بشيء ﴿طَاعَةٌ﴾ بالرفع، أي أمرنا وشأننا طاعة، ويجوز النصب بمعنى أطعناك طاعة، وهذا كما إذا قال الرجل المطيع المنقاد : سمعا وطاعة، وسمع وطاعة.
قال سيبويه : سمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال لهم كيف أصبحت ؟ فيقول : حمداً لله وثناءً عليه، كأنه قال : أمرى وشأني حمدا لله.
واعلم أن النصب يدل على مجرد الفعل.
وأما الرفع فإنه يدل على ثبات الطاعة واستقرارها ﴿فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ﴾ أي خرجوا من عندك ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ غَيْرَ الذى تَقُولُ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٥٥﴾

فصل


قال الفخر :
قال الزجاج : كل أمر تفكروا فيه كثيراً وتأملوا في مصالحه ومفاسده كثيراً قيل هذا أمر مبيت، قال تعالى :﴿إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يرضى مِنَ القول﴾ [ النساء : ١٠٨ ]


الصفحة التالية
Icon