ولما كان التقدير : فلولا فضل الله عليكم ورحمته بالرسول وورّاث علمه لاستبيحت بإشاعاتهم هذه بيضة الدين واضمحلت أمور المسلمين ؛ عطف عليه قوله :﴿ولولا فضل الله عليكم﴾ أي أيها المتسمون بالإسلام بإنزال الكتاب وتقويم العقول ﴿ورحمته﴾ بإرسال الرسول ﴿لاتبعتم الشيطان﴾ أي المطرود المحترق ﴿إلا قليلاً﴾ أي منكم فإنهم لا يتبعونه حفظاً من الله سبحانه وتعالى بما وهبهم من صحيح العقل من غير واسطة رسول ؛ وهذه الآية من المواضع المستصعبة على الأفهام بدون توقيف على المراد بالفضل إلا عند من آتاه الله سبحانه وتعالى علماً بالمناسبات، وفهماً ثاقباً بالمراد بالسياقات، وفطنة بالأحوال والمقامات تقرب من الكشف، وذلك أن من المقرر أنه لا بد من مخالفة حكم المستثنى لحكم المستثنى منه وهو هنا من وجد عليهم الفضل والرحمة فاهتدوا ومخالفة المستثنى لهم تكون بأحد أمور ثلاثة كل منها فاسد، إما بأن يعدموا الفضل فيتبعوه، ويلزم عليه أن يكون الضال أقل من المهتدي، وهو خلاف المشاهد ؛ أو بأن يعدموه فلا يتبعوه، فيكونوا مهتدين من غير فضل ؛ أو بأن يوجد عليهم الفضل فيتبعوه، فيكونوا ضالين مع الفضل والرحمة اللذين كانا سبباً في امتناع الضلال عن المخاطبين.