وعن بعض أهل اللغة أن الاستثناء من قوله سبحانه :﴿ لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً ﴾ [ النساء : ٨٢ ] وعن أكثرهم أنه من قوله تعالى :﴿ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ ﴾ واعترضه الفراء والمبرد بأن ما يعلم بالاستنباط فالأقل يعلمه والأكثر يجهله، وصرف الاستثناء إلى ما ذكروه يقتضي ضد ذلك، وتعقب ذلك الزجاج بأنه غلط لأنه لا يراد بهذا الاستنباط ما يستخرج بنظر دقيق وفكر غامض إنما هو استنباط خبر ؛ وإذا كان كذلك فالأكثرون يعرفونه ولا يجهله إلا البالغ في البلادة وفيه نظر وبعضهم إلى جعل الاستثناء مفرغاً من المصدر فما بعد ﴿ إِلا ﴾ منصوب على أنه مفعول مطلق أي لاتبعتموه كل اتباع إلا اتباعاً قليلاً بأن تبقوا على إجراء الكفر وآثاره إلا البقاء القليل النادر بالنسبة إلى البعض، وذلك قد يكون بمجرد الطبع والعادة، وأحسن الوجوه وأقربها إلى التحقيق عند الإمام ما ذكره أبو مسلم، وأيد التخصيص فيما ذهب إليه الأنباري بأن قوله تعالى :﴿ وَمَن يُطِعِ الرسول ﴾ [ النساء : ٨٠ ] الخ، وقوله سبحانه :﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان ﴾ [ النساء : ٨٢ ] يشهدان له، وفي الذي بعده بأن قوله عز وجل :﴿ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ الأمن أَوِ الخوف ﴾ الخ وقوله جل وعلا :﴿ فَقاتِلَ فِى سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ﴾ يشهد له وأنت تعلم أن قرينة التخصيص بهما غير ظاهرة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ٩٥ ـ ٩٦﴾
وقال الماوردى :
في فضل الله ها هنا ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني : القرآن.
والثالث : اللطف والتوفيق. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ ١ صـ ٥١١﴾
فصل
قال الفخر :
إن ظاهر هذا الاستنثاء يوهم أن ذلك القليل وقع لا بفضل الله ولا برحمته ومعلوم أن ذلك محال.