واعلم أن هذا القول لا يتمشى إلا إذا فسرنا الفضل والرحمة بشيء خاص، وفيه وجهان :
الأول : وهو قول جماعة من المفسرين، أن المراد بفضل الله وبرحمته في هذه الآية إنزال القرآن وبعثة محمد ﷺ، والتقدير : ولولا بعثة محمد ﷺ وإنزال القرآن لاتبعتم الشيطان وكفرتم بالله الا قليلا منكم، فإن ذلك القليل بتقدير عدم بعثة محمد ﷺ وعدم إنزال القرآن ما كان يتبع الشيطان، وما كان يكفر بالله، وهم مثل قس بن ساعدة وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل، وهم الذين كانوا مؤمنين بالله قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني : ما ذكره أبو مسلم، وهو أن المراد بفضل الله وبرحمته في هذه الآية هو نصرته تعالى ومعونته اللذان عناهما المنافقون بقولهم :﴿فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [ النساء : ٧٣ ] فبين تعالى أنه لولا حصول النصر والظفر على سبيل التتابع لاتبعتم الشيطان وتركتم الدين الا القليل منكم، وهم أهل البصائر الناقدة والنيات القوية والعزائم المتمكنة من أفاضل المؤمنين الذين يعلمون أنه ليس من شرط كونه حقا حصول الدولة في الدنيا، فلأجل تواتر الفتح والظفر يدل على كونه حقا، ولأجل تواتر الانهزام والانكسار يدل على كونه باطلا، بل الأمر في كونه حقا وباطلا على الدليل، وهذا أصح الوجوه وأقربها إلى التحقيق. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٦١ ـ ١٦٢﴾
وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ لاتبعتم الشيطان إِلا قليلاً ﴾ في معنى هذا الاستثناء ثلاثة أقوال.
أحدها : أنه راجع إِلى الإِذاعة، فتقديره : أذاعوا به إِلا قليلاً.
وهذا قول ابن عباس، وابن زيد، واختاره الفراء، وابن جرير.