ولما كان السامع ربما فهم أنه لا يتأتى كفهم إلا بذلك، قال ترغيباً وترهيباً واحتراساً :﴿والله﴾ أي الذي لا مثل له ﴿أشد بأساً﴾ أي عذاباً وشدة من المقاتِلين والمقاتَلين ﴿وأشد تنكيلاً﴾ أي تعذيباً بأعظم العذاب، ليكون ذلك مهلكاً للمعذب ومانعاً لغيره عن مثل فعله ؛ قال الإمام أبو عبد الله القزاز : يقال : نكلته تنكيلاً - إذا عملت به عملاً يكون نكالاً لغيره، أي عبرة فيرجع عن المراد من أجله، وهو أن الناظر إليه والذي يبلغه ذلك يخاف أن يحل به مثله، أي فيكون له ذلك قيداً عن الإقدام ؛ والنكل - بالكسر : القيد. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٨٩ ـ ٢٩٠﴾
وقال الفخر :
اعلم انه تعالى لما أمر بالجهاد ورغب فيه أشد الترغيب في الآيات المتقدمة، وذكر في المنافقين قلة رغبتهم في الجهاد، بل ذكر عنهم شدة سعيهم في تثبيط المسلمين عن الجهاد، عاد في هذه الآية إلى الأمر بالجهاد فقال :﴿فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ الله﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٦٢﴾
وقال أبو حيان :
ومناسبة هذه الآية هي : أنه لما ذكر في الآيات قبلها تثبيطهم عن القتال، واستطرد من ذلك إلى أنَّ الموت يدرك كل أحد ولو اعتصم بأعظم معتصم، فلا فائدة في الهرب من القتال، وأتبع ذلك بما أتبع من سوء خطاب المنافقين للرسول عليه السلام، وفعلهم معه من إظهار الطاعة بالقول وخلافها بالفعل، وبكتهم في عدم تأملهم ما جاء به الرسول من القرآن الذي فيه كتب عليهم القتال، عاد إلى أمر القتال.
وهكذا عادة كلام العرب تكون في شيء ثم تستطرد من ذلك إلى شيء آخر له به مناسبة وتعلق، ثم تعود إلى ذلك الأول. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٣٢١﴾

فصل


قال الفخر :
الفاء في قوله :﴿فَقَاتِلْ﴾ بماذا تتعلق ؟ فيه وجوه :


الصفحة التالية
Icon