سؤال : إن قال قائل : نحن نرى الكفار في بأس وشدّة، وقلتم : إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد ؟
قيل له : قد وُجد هذا الوعد ولا يلزم وجوده على الاستمرار والدوام فمتى وُجد ولو لحظة مثلاً فقد صدق الوعد ؛ فكفّ الله بأس المشركين ببدر الصغرى، وأخلفوا ما كانوا عاهدوه من الحرب والقتال ﴿ وَكَفَى الله المؤمنين القتال ﴾ [ الأحزاب : ٢٥ ] وبالحُدَيْبِيَة أيضاً عما راموه من الغدر وانتهاز الفرصة، ففطِن بهم المسلمون فخرجوا فأخذوهم أسرى، وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الصلح، وهو المراد بقوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ﴾ [ الفتح : ٢٤ ] على ما يأتي.
وقد ألقى الله في قلوب الأحزاب الرُّعْب وانصرفوا من غير قتل ولا قتال ؛ كما قال تعالى :﴿ وَكَفَى الله المؤمنين القتال ﴾.
وخرج اليهود من ديارهم وأموالهم بغير قتال المؤمنين لهم، فهذا كله بأس قد كفه الله عن المؤمنين، مع أنه قد دخل من اليهود والنصارى العدد الكثير والجَمُّ الغفير تحت الجِزْية صاغرين وتركوا المحاربة داخِرين، فكف الله بأسهم عن المؤمنين والحمد لِله رب العالمين. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٢٩٤﴾.
وأجاب الثعلبى عن هذا بقوله :
قد قيل : إن المراد به الكفرة الذين كفّ بأسهم في بدر الصغرى، والحديبية بقوله ﴿وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ﴾ الآية، فإن كان ظاهرها العموم فالمراد منها الخصوص.
وقيل : أراد به المدة التي أمر الله فيها القتال لزوال الكفر بقوله ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ فعند ذلك يكف بأس الذين كفروا، وهو الوقت. حتى ينزل فيه (المهدي) فيكون حكماً قسطاً ويظهر الإسلام على الدين كله.
وقيل : إن ذلك في القوم قذف الله في قلوبهم الرعب وأخرجهم من ديارهم وأموالهم بغير قتال من المؤمنين لهم وهذا بأس قد كفّه الله عن المؤمنين.
وقد قيل : إنه أراد به اليهود والنصارى وهم يعطون الجزية وتركوا المحاربة، وقد كف بأسهم عن المؤمنين إذا صاروا يؤدّون الجزية صاغرين. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٣ صـ ٣٥٢﴾