وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأنّ اختلاف أهل التأويل في ذلك إنما هو على قولين : أحدهما : أنهم قوم كانوا من أهل مكة، على ما قد ذكرنا الرواية عنهم.
والآخر : أنهم قوم كانوا من أهل المدينة.
وفي قول الله تعالى ذكره :"فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا"، أوضح الدّليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة. لأنّ الهجرة كانت على عهد رسول الله ﷺ إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر. فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيمًا من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرضُ هجرة، لأنه في دار الهجرة كان وطنُه ومُقامه. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٩ صـ ١٣ ـ ١٤﴾
قال الفخر :
في معنى الآية وجهان :
الأول : أن "فئتين" نصب على الحال : كقولك : مالك قائما، أي مالك في حال القيام، وهذا قول سيبويه.
الثاني : أنه نصب على خبر كان، والتقدير : مالكم صرتم في المنافقين فئتين، وهو استفهام على سبيل الإنكار، اي لم تختلفون في كفرهم مع أن دلائل كفرهم ونفاقهم ظاهرة جلية، فليس لكم أن تختلفوا فيه بل يجب أن تقطعوا بكفرهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٧٤﴾
فصل
قال ابن عاشور :
﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾
تفريع عن أخبار المنافقين التي تقدّمت، لأنّ ما وصف من أحوالهم لا يترك شكاً عند المؤمنين في حيث طويتهم وكفرهم، أو هو تفريع عن قوله :﴿ ومن أصدق من الله حديثاً ﴾ [ النساء : ٨٧ ].
وإذ قد حدّث الله عنهم بما وصف من سابق الآي، فلا يحقّ التردّد في سوء نواياهم وكفرهم، فموقع الفاء هنا نظير موقع الفاء في قوله :﴿ فقاتل في سبيل الله ﴾ في سورة النساء ( ٨٤ ).
والاستفهام للتعجيب واللَّوم.