ولما كان الإلقاء لا بد له من قرائن يعرف بها قال :﴿ويكفوا أيديهم﴾ أي عن قتالكم وأذاكم ﴿فخذوهم﴾ أي اقهروهم بكل نوع من أنواع القهر تقدرون عليه ﴿واقتلوهم ﴾.
ولما كان نفاقهم - كما تقدم - في غاية الرداءة، وأخلاقهم في نهاية الدناءة، أشار إلى الوعد بتيسير التمكين منهم فقال :﴿حيث ثقفتموهم﴾ فإن معناه : صادفتموهم وأدركتموهم وأنتم ظافرون بهم، حاذقون في قتالهم، فطنون به، خفيفون فيه، فإن الثقف : الحاذق الخفيف الفطن، ولذلك أشار إليهم بأداة البعد فقال :﴿وأولئكم﴾ أي البعداء عن منال الرحمة من النصر والنجاة وكل خير ﴿جعلنا﴾ أي بعظمتنا ﴿لكم عليهم سلطاناً﴾ أي تسلطاً ﴿مبيناًَ﴾ أي ظاهراً قوته وتسلطه.
وهذه الآيات منسوخة بآية براءة، فإنها متأخرة النزول فإنها بعد تبوك. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٩٦﴾
فصل
قال الفخر :
قال المفسرون : هم قوم من أسد وغطفان، كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا، وغرضهم أن يأمنوا المسلمين، فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم ﴿كُلَّمَا رُدُّواْ إِلَى الفتنة﴾ كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين ﴿أُرْكِسُواْ فِيِهَا﴾ أي ردوا مغلوبين منكوسين فيها، وهذا استعارة لشدة إصرارهم على الكفر وعداوة المسلمين لأن من وقع في شيء منكوسا يتعذر خروجه منه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٧٩﴾
وقال القرطبى :
قال قتادة : نزلت في قوم من تِهامة طلبوا الأمان من النبي ﷺ ليأمنوا عنده وعند قومهم.
مجاهد : هي في قوم من أهل مكة.
وقال السُّديّ : نزلت في نُعيم بن مسعود كان يأمن المسلمين والمشركين.
وقال الحسن : هذا في قوم من المنافقين.
وقيل : نزلت في أسد وغَطَفان قدموا المدينة فأسلموا ثم رجعوا إلى إلى ديارهم فأظهروا الكفر. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٣١١﴾.