فائدة
قال ابن عاشور :
الأظهر أنّ ضمير "ودوّا" عائد إلى المنافقين في قوله :﴿ فمالكم في المنافقين فئتين ﴾ [ النساء : ٨٨ ].
فضح الله هذا الفريق فأعلَم المسلمين بأنّهم مضمرون الكفر، وأنّهم يحاولون رَدّ من يستطيعون ردّه من المسلمين إلى الكفر.
وعليه فقوله :﴿ فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله ﴾ إن حمل على ظاهر المهاجرة لا يناسب إلاّ ما تقدّم في سبب النزول عن مجاهد وابن عباس، ولا يناسب ما في "الصحيح" عن زيد بن ثابت، فتعيّن تأويل المهاجرة بالجهاد في سبيل الله، فالله نهى المسلمين عن ولايتهم إلى أن يخرجوا في سبيل الله في غزوة تقع بعد نزول الآية لأنّ غزوة أُحد، التي انخزل عنها عبد الله بن أبَيّ وأصحابه، قد مضت قبل نزول هذه السورة.
وما أبلغ التعبيرَ في جانب محاولة المؤمنين بالإرادة في قوله :﴿ أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله ﴾ [ النساء : ٨٨ ]، وفي جانب محاولة المنافقين بالودّ، لأنّ الإرادة ينشأ عنها الفعل، فالمؤمنون يستقربون حصول الإيمان من المنافقين، لأنّ الإيمان قريب من فطرة الناس، والمنافقون يعلمون أنّ المؤمنين لا يرتدّون عن دينهم، ويرون منهم محبّتهم إيّاه، فلم يكن طلبهم تكفيرَ المؤمنين إلاّ تمنيّا، فعبّر عنه بالودّ المجرّد.
وجملة ﴿ فتكونون سواء ﴾ تفيد تأكيد مضمون قوله :﴿ بما كفروا ﴾ قصد منها تحذير المسلمين من الوقوع في حِبالة المنافقين. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢١١ ـ ٢١٢﴾


الصفحة التالية
Icon