الأول : ينتهون إليهم ويتصلون بهم، والمعنى أن كل من دخل في عهد من كان داخلا في عهدكم فهم أيضا داخلون في عهدكم.
قال القفال رحمه الله : وقد يدخل في الآية أن يقصد قوم حضرة الرسول ﷺ فيتعذر عليهم ذلك المطلوب فيلجأوا إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد إلى أن يجدوا السبيل إليه.
القول الثاني : أن قوله :﴿يَصِلُونَ﴾ معناه ينتسبون، وهذا ضعيف لأن أهل مكة أكثرهم كانوا متصلين بالرسول من جهة النسب مع أنه ﷺ كان قد أباح دم الكفار منهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٧٨﴾

فصل


قال القرطبى :
﴿ إِلاَّ الذين يَصِلُونَ ﴾ أي يتَّصلون بهم ويدخلون فيما بينهم من الجوار والحلف ؛ المعنى : فلا تقتلوا قوماً بينهم وبين مَن بينكم وبينهم عهدٌ فإنهم على عهدهم ثم انتسخت العهود فانتسخ هذا.
هذا قول مجاهد وابن زيد وغيرهم، وهو أصح ما قيل في معنى الآية.
قال أبو عبيد : يَصِلون ينتسبون ؛ ومنه قول الأعشى :
إذا اتصلت قالتْ لبكرِ بن وائلٍ...
وَبَكْرٌ سَبَتْها والأنوف رواغِمُ
يريد إذا انتسبت.
قال المهدوِيّ : وأنكره العلماء ؛ لأن النسب لا يمنع من قتال الكفار وقتلهم.
وقال النحاس : وهذا غلط عظيم ؛ لأنه يذهب إلى أن الله تعالى حظر أن يُقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب، والمشركون قد كان بينهم وبين السابقين الأوّلين أنساب، وأشد من هذا الجهلُ بأنه كان ثم نُسخ ؛ لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له "بَرَاءَةٌ" وإنما نزلت "براءة" بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب.
وقال معناه الطبريّ.
قلت : حمل بعض العلماء معنى ينتسبون على الأمان ؛ أي إن المنتسب إلى أهل الأمان آمِنٌ إذا أمن الكل منهم، لا على معنى النسب الذي هو بمعنى القرابة.


الصفحة التالية
Icon