قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا غير صحيح، قال الطبري : قتال رسول الله ﷺ قريشاً وهم قرابة السابقين إلى الإسلام يقتضي بأن قرابة من له ميثاق أجدر بأن تقاتل، فإن قيل : إن النبي عليه السلام لم يقاتل قريشاً إلا بعد نسخ هذه الآية، قيل : التواريخ تقضي بخلاف ذلك، لأن الناسخ بهذه الآية هي سورة براءة، ونزلت بعد فتح مكة وإسلام جميع قريش، وقوله تعالى :﴿ أو جاءوكم ﴾ عطف على ﴿ يصلون ﴾، ويحتمل أن يكون على قوله :﴿ بينكم وبينهم ميثاق ﴾ والمعنى في العطفين مختلف وهذا أيضاً حكم كان قبل أن يستحكم أمر الإسلام، فكان المشرك إذا اعتزل القتال وجاء إلى دار الإسلام مسالماً كارهاً لقتال قومه، مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه لا سبيل عليه، وهذه نسخت أيضاً بما في براءة. و﴿ حصرت ﴾ : ضاقت وحرجت، ومنه الحصر في القول، وهو : ضيق الكلام على المتكلم، وقرأ الحسن وقتادة " حصرة " كذا قال الطبري : وحكى ذلك المهدوي عن عاصم من رواية حفص، وحكي عن الحسن أنه قرأ " حصرات " وفي مصحف أبيّ سقط ﴿ أو جاءوكم ﴾، و﴿ حصرت ﴾ عند جمهور النحويين في موضع نصب على الحال بتقدير قد حصرت.
قال القاضي أبو محمد : وهذا يصحب الفعل الماضي إذا كان في موضع الحال والداعي إليه أن يفرق بين تقدير الحال وبين خبر مستأنف، كقولك جاء زيد ركب الفرس، فإن أردت بقولك ركب الفرس خبراً آخر عن زيد، لم تحتج إلى تقدير قد، وإن أردت به الحال من زيد قدرته بقد، قال الزجاج :﴿ حصرت ﴾ خبر بعد خبر، وقال المبرد :﴿ حصرت ﴾ دعاء عليهم.
قال القاضي أبو محمد : وقال بعض المفسرين : لا يصح هنا الدعاء، لأنه يقتضي الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم، ذلك فاسد.