أما بيان أنه قتل فيدل عليه القرآن والخبر، أما القرآن فهو أنه تعالى حكى عن موسى عليه السلام أنه وكز القبطي فقضى عليه، ثم إن ذلك الوكز يسمى بالقتل، بدليل أنه حكى أن القبطي قال في اليوم الثاني :﴿أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس﴾ [ القصص : ١٩ ] وكان الصادر عن موسى عليه السلام بالأمس ليس إلا الوكز، فثبت أن القبطي سماه قتلا، وأيضاً إن موسى صلوات الله عليه سماه قتلا حيث قال :﴿رَبّى إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾ [ القصص : ٣٣ ] وأجمع المفسرون على أن المراد منه قتل ذلك القبطي بذلك الوكز، وأيضا إن الله تعالى سماه قتلا حيث قال :﴿وَقَتَلْتَ نَفْساً فنجيناك مِنَ الغم وفتناك فُتُوناً﴾ [ طه : ٤٠ ] فثبت أن الوكز قتل بقول القبطي وبقول موسى وبقول الله تعالى، وأما الخبر فقوله ﷺ :" ألا إن قتيل الخطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الابل " فسماه قتلا، فثبت بهذين الدليلين أنه حصل القتل، وأما أنه عمد فالشاك فيه داخل في السفسطة فإن من ضرب رأس إنسان بحجر الرحا، أو صلبه أو غرقه، أو خنقه ثم قال : ما قصدت به قتله كان ذلك إما كاذبا أو مجنونا، وأما أنه عدوان فلا ينازع فيه مسلم، فثبت أنه قتل عمد عدوان، فوجب أن يجب القصاص بالنص والمعقول.
أما النص : فهو جميع الآيات الدالة على وجوب القصاص، كقوله :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس﴾ [ المائدة : ٤٥ ] ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا﴾ [ الإسراء : ٣٣ ] ﴿وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا﴾ [ الشورى : ٤٠ ] ﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ].
وأما المعقول : فهو أن المقصود من شرع القصاص صيانة النفوس والأرواح عن الاهدار.