قال تعالى :﴿وَلَكُمْ فِي القصاص حياة﴾ [ البقرة : ١٧٩ ] وإذا كان المقصود من شرع القصاص صيانة النفوس والأرواح عن الاهدار، والإهدار من المثقل كهو في المحدد كانت الحاجة إلى شرع الزاجر في إحدى الصورتين كالحاجة إليه في الصورة الأخرى، ولا تفاوت بين الصورتين في نفس الإهدار، إنما التفاوت حاصل في آلة الإهدار، والعلم الضروري حاصل بأن ذلك غير معتبر، والكلام في الفقهيات إذا وصل إلى هذا الحد فقد بلغ الغاية القصوى في التحقيق لمن ترك التقليد، واحتجوا بقوله ﷺ :" ألا إن قتيل الخطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الابل " وهو عام سواء كان السوط والعصا صغيرا أو كبيرا.
والجواب : أن قوله :"قتيل الخطأ" يدل على أنه لا بد وأن يكون معنى الخطأ حاصلا فيه، وقد بينا أن من خنق إنساناً أو ضرب رأسه بحجر الرحا، ثم قال : ما كنت أقصد قتله، فإن كل عاقل ببديهة عقله يعلم أنه كاذب في هذا المقال، فوجب حمل هذا الضرب على الضرب بالعصا الصغيرة حتى يبقى معنى الخطأ فيه. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٨٢ ـ ١٨٣﴾

فصل


قال القرطبى :
ذهب داود إلى القِصَاص بين الحرّ والعبد في النّفْس، وفي كل ما يستطاع القصاص فيه من الأعضاء ؛ تمسُّكاً بقوله تعالى :﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ والجروح قِصَاصٌ ﴾ [ المائدة : ٤٥ ]، وقوله عليه السَّلام :" المسلمون تتكافأ دماؤهم " فلم يفرق بين حرّ وعبد ؛ وهو قول ابن أبي ليلى.
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلاَّ في النفس فيُقتل الحرّ بالعبد، كما يقتل العبد بالحرّ، ولا قصاص بينهما في شيء من الجراح والأعضاء.


الصفحة التالية
Icon