وأجمع العلماء على أن قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً ﴾ أنه لم يدخل فيه العبيد، وإنما أُريد به الأحرار دون العبيد ؛ فكذلك قوله عليه السَّلام :" المسلمون تتكافأ دماؤهم " أُريد به الأحرار خاصّة.
والجمهور على ذلك وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس فالنّفسُ أحرى بذلك ؛ وقد مضى هذا في "البقرة". أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٣١٤﴾.
فصل
قال الفخر :
قال أبو حنيفة : القتل العمد لا يوجب الكفارة، وقال الشافعي : يوجب.
احتج أبو حنيفة بهذه الآية، فقال قوله :﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خطأ﴾ شرط لوجوب الكفارة وعند انتفاء الشرط لا يحصل المشروط، فيقال له : إنه تعالى قال :﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أيمانكم﴾ [ النساء : ٢٥ ] فقوله :﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ﴾ ما كان شرطا لجواز نكاح الأمة على قولكم، فكذلك ههنا.
ثم نقول : الذي يدل على وجوب الكفارة في القتل العمد الخبر والقياس.
أما الخبر فهو ما روى واثلة بن الأسقع قال : أتينا رسول الله ﷺ في صاحب لنا أوجب النار بالقتل، فقال : اعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار.
وأما القياس : فهو أن الغرض من إعتاق العبد هو أن يعتقه الله من النار، والحاجة إلى هذا المعنى في القتل العمد أتم، فكانت الحاجة فيه إلى ايجاب الكفارة أتم والله أعلم.
وذكر الشافعي رضي الله عنه حجة أخرى من قياس الشبه فقال : لما وجبت الكفارة في قتل الصيد في الاحرام سوينا بين العامد وبين الخاطىء إلا في الإثم، فكذا في قتل المؤمن، ولهذا الكلام تأكيد آخر وهو أن يقال : نص الله تعالى هناك في العامد، وأوجبنا على الخاطىء.