ولك أن تجعل قوله :﴿ وما كان لمؤمن ﴾ خبراً مراداً به النهي، استعمل المركّب في لازم معناه على طريقة المجاز المرسل التمثيلي، وتجعل قوله :﴿ إلاّ خطأ ﴾ ترشيحاً للمجاز : على نحو ما قرّرناه في الوجه الأوّل، فيحصل التنبيه على أنّ صورة الخطأ لا يتعلّق بها النهي، إذ قد عَلم كلّ أحد أنّ الخطأ لا يتعلّق به أمر ولا نهي، يعني إن كان نوع من قتل المؤمن مأذوناً فيه للمؤمن، فهو قتل الخطأ، وقد عُلم أنّ المخطىء لا يأتِي فعلَه قاصداً امتثالاً ولا عصياناً، فرجع الكلام إلى معنى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً قتلاً تتعلّق به الإرادة والقصدُ بحال أبداً، فتكون الجملة مبدأ التشريع، وما بعدها كالتفصيل لها ؛ وعلى هذين الوجهين لا يشكل الاستثناء في قوله :﴿ إلاّ خطأ ﴾.
وذهب المفسّرون إلى أنّ ﴿ ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً ﴾ مراد به النهي، أي خبر في معنى الإنشاء فالتجأوا إلى أنّ الاستثناء مُنقطع بمعنى ( لَكِن ) فراراً من اقتضاء مفهوم الاستثناء إباحةَ أن يقتل مؤمن مؤمناً خطأ، وقد فهمت أنّه غير متوهّم هنا.
وإنّما جيء بالقيد في قوله :﴿ ومن قتل مؤمناً خَطَأ ﴾ لأنّ قوله :﴿ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأ ﴾ مراد به ادّعاء الحصر أو النهيُ كما علمتَ، ولو كان الخبر على حقيقته لاستغنى عن القيد لانحصار قتل المؤمن بمقتضاه في قتل الخطأ، فيستغنى عن تقييده به. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢١٥ ـ ٢١٧﴾

فصل في سبب النزول


قال الفخر :
ذكروا في سبب النزول وجوها :
الأول : روى عروة بن الزبير أن حذيفة بن اليمان كان مع الرسول ﷺ يوم أحد فأخطأ المسلمون وظنوا أن أباه اليمان واحد من الكفار، فأخذوه وضربوه بأسيافهم وحذيفة يقول : إنه أبي فلم يفهموا قوله إلا بعد أن قتلوه، فقال حذيفة : يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فلما سمع الرسول ﷺ ذلك ازداد وقع حذيفة عنده، فنزلت هذه الآية :


الصفحة التالية
Icon