ولما كان اتباع الشهوات عند العرب في غاية الذم قال موبخاً منفراً عن مثل هذا في موضع الحال من فاعل " تقولوا " ﴿تبتغون﴾ أي حال كونكم تطلبون طلباً حثيثاً بقتله ﴿عرض الحياة الدنيا﴾ أي بأخذ ما معه من الحطام الفاني والعرض الزائل، أو بإدراك ثأر كان لكم قبله ؛ روى البخاري ي التفسير ومسلم في آخر كتابه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :" ﴿ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام﴾ قال : كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون فقال : السلام عليكم : فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك إلى قوله ﴿عرض الحياة الدنيا﴾ " ورواه الحارث بن أبي أسامة عن سعيد بن جبير وزاد ﴿كذلك كنتم من قبل﴾ تخفون إيمانكم وأنتم مع المشركين، ﴿فمنَّ الله عليكم﴾ وأظهر الإسلام ﴿فتبينوا﴾ ثم علل النهي عن هذه الحالة بقوله :﴿فعند الله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام ﴿مغانم كثيرة﴾ أي يغنيكم بها عما تطلبون من العرض مع طيبها ؛ ثم علل النهي من أصله بقوله :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا الذي قتلتموه بجعلكم إياه بعيداً عن الإسلام ﴿كنتم﴾ وبعّض زمان القتل - كما هو الواقع - بقوله :﴿من قبل﴾ أي قبل ما نطقتم بكلمة الإسلام ﴿فمنّ الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال ﴿عليكم﴾ أي بأن ألقى في قلوب المؤمنين قبول ما أظهرتم امتثالاً لأمره سبحانه وتعالى بذلك، فقوى أمر الإيمان في قلوبكم قليلاً قليلاً حتى صرتم إلى ما أنتم عليه في الرسوخ في الدين والشهرة به والعز، ولو شاء لقسى قلوبكم وسلطهم عليكم فقتلوكم.
فإذا كان الأمر كذلك فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الدين من القبول ما فعل بكم، وهو معنى ما سبب عن الوعظ من قوله تأكيداً لما مضى إعلاماً بفظاعة أمر القتل :﴿فتبينوا﴾ أي الأمور وتثبتوا فيها حتى تنجلي ؛ ثم علل هذا الأمر بقوله مرغباً مرهباً :﴿إن الله﴾ أي المختص بأنه عالم الغيب والشهادة ﴿كان بما تعملون خبيراً﴾ أي يعلم ما أقدمتم عليه عن تبيين وغيره فاحذروه بحفظ بواطنكم وظواهركم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٩٩ ـ ٣٠٠﴾


الصفحة التالية