قال تعالى :﴿مَن يَعْمَلُ سُوءا يُجْزَ بِهِ﴾ [ النساء : ١٢٣ ] وقال :﴿اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [ غافر : ١٧ ] وقال :﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ [ الزلزلة : ٧، ٨ ] بل إنه تعالى ذكر في هذه الآية ما يدل على أنه يوصل إليهم هذا الجزاء وهو قوله :﴿وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ فإن بيان أن هذا جزاؤه حصل بقوله :﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا﴾ فلو كان قوله :﴿وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ إخبارا عن الاستحقاق كان تكرارا، فلو حملناه على الاخبار عن أنه تعالى سيفعل لم يلزم التكرار، فكان ذلك أولى.
واعلم أنا نقول : هذه الآية مخصوصة في موضعين :
أحدهما : أن يكون القتل العمد غير عدوان كما في القصاص فإنه لا يحصل فيه هذا الوعيد ألبتة.
والثاني : القتل العمد العدوان إذا تاب عنه فإنه لا يحصل فيه الوعيد، وإذا ثبت دخول التخصيص فيه في هاتين الصورتين فنحن نخصص هذا العموم فيما إذا حصل العفو بدليل قوله تعالى :﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ [ النساء : ٤٨ ] وأيضاً فهذه الآية إحدى عمومات الوعيد، وعمومات الوعد أكثر من عمومات الوعيد، وما ذكره في ترجيح عمومات الوعيد قد أجبنا عنه وبينا أن عمومات الوعد راجحة، وكل ذلك قد ذكرناه في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿بلى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ [ البقرة : ٨١ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٨٩ ـ ١٩١﴾
فصل
قال ابن الجوزى :
اختلف العلماء في هذه الآية هل هي محكمة أم منسوخة ؟ فقال قوم : هي محكمة، واحتجّوا بأنها خبرٌ، والأخبار لا تحتمل النسخ، ثم افترق هؤلاء فرقتين، إِحداهما قالت : هي على ظاهرها، وقاتل المؤمن مخلد في النار.