وقيل : أريد بالظلم عدم الهجرة إذ كان قوم من أهل مكة أسلموا وتقاعسوا عن الهجرة.
قال السديّ : كان من أسلم ولم يهاجر يعتبر كافراً حتّى يهاجر، يعني ولو أظهر إسلامه وترك حال الشرك.
وقال غيره : بل كانت الهجرة واجبة ولا يكفّر تاركها.
فعلى قول السدّي فالظلم مراد به أيضاً الكفر لأنّه معتبر من الكفر في نظر الشرع، أي أنّ الشرع لم يكتف بالإيمان إذا لم يهاجر صاحبه مع التمكّن من ذلك، وهذا بعيد فقد قال تعالى :﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتّى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ﴾ [ الأنفال : ٧٢ ] الآية ؛ فأوجب على المسلمين نصرهم في الدين إن استنصروهم، وهذه حالة تخالف حالة الكفّار.
وعلى قول غيره : فالظلم المعصية العظيمة، والوعيد الذي في هذه الآية صالح للأمرين، على أنّ المسلمين لم يعُدّوا الذين لم يهاجروا قبل فتح مكة في عداد الصحابة.
قال ابن عطية : لأنّهم لم يتعيّن الذين ماتوا منهم على الإسلام والذين ماتوا على الكفر فلم يعتدّوا بما عرفوا منهم قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٣١ ـ ٢٣٢﴾

فصل


قال القرطبى :
المراد بها جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبيّ ﷺ الإيمان به، فلما هاجر النبيّ ﷺ أقاموا مع قومهم وفُتِن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر بَدْر خرج منهم قوم مع الكفار ؛ فنزلت الآية.
وقيل : إنهم لما استحقروا عدد المسلمين دخلهم شك في دينهم فارتدّوا فقُتِلوا على الردّة ؛ فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأُكرِهوا على الخروج فاستغفروا لهم ؛ فنزلت الآية.
والأول أصح.


الصفحة التالية
Icon