قال مكحول : روعات البعوث تنفِي روعات القيامة.
وتعلق بها أيضاً من قال : إن الغِنى أفضل من الفقر ؛ لذكر الله تعالى المال الذي يوصل به إلى صالح الأعمال.
وقد اختلف الناس في هذ المسألة مع اتفاقهم أن ما أحوج من الفقر مكروه، وما أبطر من الغنى مذموم ؛ فذهب قوم إلى تفضيل الغنى، لأن الغني مقتدر والفقير عاجز، والقدرة أفضل من العجز.
قال الماوردِيّ : وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة.
وذهب آخرون إلى تفضيل الفقر، لأن الفقير تارك والغني ملابس، وترك الدنيا أفضل من ملابستها.
قال الماوردِيّ : وهذا مذهب من غلب عليه حب السلامة.
وذهب آخرون إلى تفضيل التوسط بين الأمرين بأن يخرج عن حدّ الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة الأمرين، وليسلم من مذمة الحالين.
قال الماورديّ : وهذا مذهب من يرى تفضيل الاعتدال وأن :" خير الأُمور أوسطها " ولقد أحسن الشاعر الحكيم حيث قال :
ألا عائذا باللَّه من عدم الغِنى...
ومن رغبةٍ يوما إلى غير مرغب. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٣٤٣﴾. بتصرف يسير.

فصل


قال الفخر :
حاصل الآية : لا يستوي القاعدون المؤمنون الأصحاء والمجاهدون في سبيل الله، واختلفوا في أن قوله :﴿غَيْرُ أُوْلِى الضرر﴾ هل يدل على أن المؤمنين القاعدين الأضراء يساوون المجاهدين أم لا ؟ قال بعضهم : أنه لا يدل لأنا إن حملنا لفظ ﴿غَيْرِ﴾ على الصفة وقلنا التخصيص بالصفة لا يدل على نفي الحكم عما عداه لم يلزم ذلك، وإن حملناه على الاستثناء وقلنا الاستثناء من النفي ليس بإثبات لم يلزم أيضاً ذلك، أما إذا حملناه على الاستثناء وقلنا الاستثناء من النفي إثبات لزم القول بالمساواة.
واعلم أن هذه المساواة في حق الأضراء عند من يقول بها مشروطة بشرط آخر ذكره الله تعالى في سورة التوبة وهو قوله :﴿لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى﴾ إلى قوله :﴿إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [ التوبة : ٩١ ].


الصفحة التالية
Icon