واعلم أن القول بهذه المساواة غير مستبعد، ويدل عليه النقل والعقل، أما النقل فقوله عليه الصلاة والسلام عند انصرافه من بعض غزواته " لقد خلفتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم أولئك أقوام حبسهم العذر " وقال عليه الصلاة والسلام :" إذا مرض العبد قال الله عز وجلّ اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ " وذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى :﴿ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين * إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [ التين : ٥، ٦ ] أن من صار هرما كتب الله تعالى له أجر ما كان يعمله قبل هرمه غير منقوص من ذلك شيئاً.
وذكروا في تفسير قوله عليه الصلاة والسلام " نية المؤمن خير من عمله " أن ما ينويه المؤمن من دوامه على الإيمان والأعمال الصالحة لو بقي أبداً خير له من عمله الذي أدركه في مدة حياته، وأما المعقول فهو أن المقصود من جميع الطاعات والعبادات استنارة القلب بنور معرفة الله تعالى، فإن حصل الاستواء فيه للمجاهد والقاعد فقد حصل الاستواء في الثواب، وإن كان القاعد أكثر حظاً من هذا الاستغراق كان هو أكثر ثواباً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٧ ـ ٨﴾
سؤال : لقائل أن يقول : إنه تعالى قال :﴿إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم ﴾ [ التوبة : ١١١ ] فقدم ذكر النفس على المال، وفي الآية التي نحن فيها وهي قوله :﴿المجاهدين بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ﴾ قدم ذكر المال على النفس، فما السبب فيه ؟
وجوابه : أن النفس أشرف من المال، فالمشتري قدم ذكر النفس تنبيهاً على أن الرغبة فيها أشد، والبائع أخر ذكرها تنبيهاً على أن المضايقة فيها أشد، فلا يرضى ببذلها إلا في آخر المراتب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٨﴾


الصفحة التالية
Icon