فائدة
قال أبو حيان :
﴿ فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ﴾ الظاهر : أن المفضل عليهم هم القاعدون غير أولي الضرر، لأنهم هم الذين نفى التسوية بينهم، فذكر ما امتازوا به عليهم، وهو تفضيلهم عليهم بدرجة، فهذه الجملة بيان للجملة الأولى جواب سؤال مقدر، كان قائلاً قال : ما لهم لا يستوون ؟ فقيل : فضل الله المجاهدين، والمفضل عليهم هنا درجة هم المفضل عليهم آخراً درجات، وما بعدها وهم القاعدون غير أولي الضرر.
وتكرر التفضيلان باعتبار متعلقهما، فالتفضيل الأول بالدرجة هو ما يؤتى في الدنيا من الغنيمة، والتفضيل الثاني هو ما يخولهم في الآخرة، فنبه بإفراد الأول، وجمع الثاني على أنّ ثواب الدنيا في جنب ثواب الآخرة يسير.
وقيل : المجاهدون تتساوى رتبهم في الدنيا بالنسبة إلى أحوالهم، كتساوي القاتلين بالنسبة إلى أخذ سلب من قتلوه، وتساوي نصيب كل واحد من الفرسان ونصيب كل واحد من الرجال، وهم في الآخرة متفاوتون بحسب إيمانهم، فلهم درجات بحسب استحقاقهم، فمنهم من يكون له الغفران، ومنهم من يكون له الرحمة فقط.
فكان الرحمة أدنى المنازل، والمغفرة فوق الرحمة، ثم بعد الدرجات على الطبقات، وعلى هذا نبه بقوله :﴿ هم درجات عند الله ﴾ ومنازل الآخرة تتفاوت.
وقيل : الدرجة المدح والتعظيم، والدرجات منازل الجنة.
وقيل : المفضل عليهم أولاً غير المفضل عليهم ثانياً.
فالأول هم القاعدون بعذر، والثاني هم القاعدون بغير عذر، ولذلك اختلف المفضل به : ففي الأول درجة، وفي الثاني درجات، وإلى هذا ذهب ابن جريج، وهو من لا يستوي عنده أولوا الضرر والمجاهدون.
وقيل : اختلف الجهادان، فاختلف ما فضل به.
وذلك أن الجهاد جهادان : صغير، وكبير.
فالصغير مجاهدة الكفار، والكبير مجاهدة النفس.


الصفحة التالية
Icon