وعلى ذلك دل قوله عليه السلام :" رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " وإنما كان مجاهدة النفس أعظم، لأنّ من جاهد نفسه فقد جاهد الدنيا، ومن غلب الدنيا هانت عليه مجاهدة العدا، فخصّ مجاهدة النفس بالدرجات تعظيماً لها.
وقد تناقض الزمخشري في تفسير القاعدين فقال : فضل الله المجاهدين جملة موضحة لما نفي من استواء القاعدين والمجاهدين، كأنه قيل : ما لهم لا يستوون ؟ فأجيب بذلك : والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر، لكون الجملة بياناً للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف.
ثم قال :( فإن قلت ) : قد ذكر الله تعالى مفضلين درجة ومفضلين درجات من هم ؟ ( قلت ) : أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء، وأما المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم، لأن الغزو فرض كفاية انتهى كلامه.
فقال : أولاً المعنى على القاعدين غير أولي الضرر، وقال في هذا الجواب : على القاعدين الأضراء، وهذا تناقض.
والظاهر أنّ قوله : درجات، لا يراد به عدد مخصوص، بل ذلك على حسب اختلاف المجاهدين.
وقال ابن زيد : هي السبع المذكورة في براءة في قوله :﴿ ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ﴾ الآيات.
وقال ابن عطية : درجات الجهاد لو حصرت لكانت أكثر من هذه انتهى.
وقال ابن مجيريز : الدرجات في الجنة سبعون درجة، كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة، وإلى نحوه ذهب : مقاتل، ورجحه الطبري.
وفي الحديث الصحيح :" أن في الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض " وذهب بعض العلماء إلى أنّ قوله : وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً درجات منه، هو على سبيل التوكيد، لا أنّ مدلول درجة مخالف لمدلول درجات في المعنى، بل هما سواء في المعنى.


الصفحة التالية