وقال المهايميّ : فيه إشعار بأن ترك الهجرة أمر خطير، حتى إن المضطر حقه أن يترصد الفرصة ويعلق قلبه بها، وإن الصبي إذا قدر فلا محيص له عنه، وإن قوّامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم، ثم أكد الإطماع لئلا ييأسوا فقال :﴿ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّا غَفُوراً ﴾ وفي إقحام ( كان ) إشارة إلى اتصافه تعالى بهذه الصفة قبل خلق الخلق، أو أن هذه عادته تعالى، أجراها في حق خلقه، ووعده بالعفو والمغفرة مطلقاً مما يدل على أنه تعالى قد يعفوا عن الذنب قبل التوبة.
تنبيه :
قال السيوطيّ في " الإكيل " : استدل بالآية على وجوب الهجرة من دار الكفر، إلا على من لم يطقها، وعن مالك : الآية تقتضي أن كل من كان في بلد تُغَيَّرُ فيه السنن، فينبغي أن يخرج منه. انتهى.
وقال بعض مفسري الزيدية : ثمرة الآية وجوب الهجرة من دار الكفر، ولا خلاف أنها كانت واجبة قبل الفتح، ولذلك قال الله تعالى في سورة الأنفال :﴿ وَالّذِينَ آمَنُوا وَلم يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [ الأنفال : من الآية ٧٢ ]، قيل : ونسخت بعد الفتح، والصحيح عدم النسخ، وقوله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم :< لا هجرة بعد الفتح >، معناه من مكة.
قال جار الله : وهذا يدل على أن الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب، لبعض الأسباب، وعلم أنه في غير بلده أقوم بحق الله، حقت عليه الهجرة، ثم قال رحمه الله : قال في التهذيب : وعن القاسم بن إبراهيم : إذا ظهر الفسق في دار، ولا يمكنه الأمر بالمعروف، فالهجرة واجبة، وهذا بناء على أن الدور ثلاث : دار إسلام، ودار فسق، ودار حرب، وهذا التقسيم هو مذهب الهادي والقاسم وابن أبي النجم في كتاب " الهجرة والدور " عن الراضي بالله وجعفر بن مبشر وأبي عليّ.