وذهب الأخوان وعامة الفقهاء وأكثر المعتزلة إلى النفي لدار الفسق، واعلم أن من حُمِل على معصية أو ترك واجب أو طالبه الإمام بذلك فالمذهب وجوب الهجرة مع حصول الشروط المعتبرة، وقد قال الراضيّ بالله : إن من سكن دار الحرب مستحلاً، كَفَرَ، لأن ذلك رد لصريح القرآن، واحتج بهذه.
وقد حكى الفقيه حسام الدين حميد بن أحمد عن القاسم والهادي والراضي بالله : التكفير لمن ساكن الكفار في ديارهم.
وفي ( مذهب الراضي بالله ) يكفر إذا جاورهم سنة.
قال الفقيه شرف الدين محمد بن يحيى، حاكياً عن الراضي بالله : إنه يكفر بسكنى دار الحرب وإن لم يستحل ؛ لأن ذلك منه إظهار الكفر على نفسه، الحكم بالتكفير محتمل هنا، ثم قال : وإنما استثنى تعالى الولدان، وإن كانوا غير داخلين في التكليف، بياناً لعدم حيلتهم، والهجرة إنما تجب على من له حيلة. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " : الهجرة الترك، والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره، وفي الشرع : ترك ما نهى الله عنه، وقد وقعت في الإسلام على وجهين :
الأولى : الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشية وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة.
الثاني : الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بالمدينة، وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين، وكانت الهجرة، إذ ذاك، تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص، وبقي عموم الانتقال من دار الكفر، لمن قدر عليه، باقياً. انتهى.
وقد أفصح ابن عمر بالمراد، فيما، فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ : انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار، أي : ما دام في الدنيا دار كفر.


الصفحة التالية
Icon