الرابع : قال في أول الآية ﴿وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْراً عَظِيماً﴾ ولا يمكن أن يكون المراد من هذا المجاهد هو المجاهد بالمال والنفس فقط، وإلا حصل التكرار، فوجب أن يكون المراد منه من كان مجاهداً على الإطلاق في كل الأمور، أعني في عمل الظاهر، وهو الجهاد بالنفس والمال والقلب وهو أشرف أنواع المجاهدة، كما قال عليه السلام :" رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " وحاصل هذا الجهاد صرف القلب من الالتفات إلى غير الله إلى الاستغراق في طاعة الله، ولما كان هذا المقام أعلى مما قبله لا جرم جعل فضيلة الأول درجة، وفضيلة هذا الثاني درجات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٨ ـ ٩﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين دَرَجَةً ﴾ وقد قال بعد هذا :﴿ دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ﴾ فقال قوم : التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد.
وقيل : فضل الله المجاهدين على القاعدين من أُولي الضرر بدرجة واحدة، وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير عذر درجات ؛ قاله ابن جريج والسدي وغيرهما.
وقيل : إن معنى درجة علوّ، أي أعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح والتقريظ.
فهذا معنى درجة، ودرجات يعني في الجنة.
قال ابن محيرِيز : سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرِس الجواد سبعين سنة.
و﴿ دَرَجَاتٍ ﴾ بدل من أجر وتفسير له، ويجوز نصبه أيضاً على تقدير الظرف ؛ أي فضلهم بدرجات، ويجوز أن يكون توكيداً لقوله :﴿ أَجْراً عَظِيماً ﴾ لأن الأجر العظيم هو الدرجات والمغفرة والرحمة، ويجوز الرفع ؛ أي ذلك درجات.
و"أجرا" نصب ب "فضل" وإن شئت كان مصدراً وهو أحسن، ولا ينتصب ب ﴿ فَضَّلَ ﴾ لأنه قد استوفى مفعوليه وهما قوله ﴿ المجاهدين ﴾ و ﴿ عَلَى القاعدين ﴾ ؛ وكذا "درجة".
فالدرجات منازل بعضها أعلى من بعض.


الصفحة التالية
Icon