والحاصل كأنه قيل : يا أيها الإنسان إنك كنت إنما تكره الهجرة عن وطنك خوفاً من أن تقع في المشقة والمحنة في السفر، فلا تخف فإن الله تعالى يعطيك من النعم الجليلة والمراتب العظيمة في مهاجرتك ما يصير سبباً لرغم أنوف أعدائك، ويكون سبباً لسعة عيشك، وإنما قدم في الآية ذكر رغم الأعداء على ذكر سعة العيش لأن ابتهاج الإنسان الذي يهاجر عن أهله وبلده بسبب شدة ظلمهم عليه بدولته من حيث إنها تصير سبباً لرغم أنوف الأعداء، أشد من ابتهاجه بتلك الدولة من حيث إنها صارت سبباً لسعة العيش عليه.
وأما المانع الثاني من الإقدام على المهاجرة فهو أن الإنسان يقول : إن خرجت عن بلدي في طلب هذا الغرض، فربما وصلت إليه وربما لم أصل إليه، فالأولى أن لا أضيع الرفاهية الحاضرة بسبب طلب شيء ربما أصل إليه، وربما لا أصل إليه، فأجاب الله تعالى عنه بقوله :﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مهاجرا إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله﴾ والمعنى ظاهر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٣﴾
فائدة
قال الماوردى :
قوله تعالى :﴿ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ﴾.
في المراغم خمسة تأويلات :
أحدها : أنه المتحوَّل من أرض إلى أرض، وهذا قول ابن عباس والضحاك. ومنه قول نابغة بني جعدة :
كطْودٍ يُلاذ بأركانه...... عزيز المراغم والمطلب
والثاني : مطلب المعيشة، وهو قول السدي، ومنه قول الشاعر :
إلى بلدٍ غير داني المحل...... بَعيد المُراغم والمطلب
والثالث : أن المراغم المهاجر، وهو قول ابن زيد :
والرابع : يعني بالمراغم مندوحة عما يكره.
والخامس : أن يجد ما يرغمهم به، لأن كل من شخص عن قومه رغبة عنهم فقد أرغمهم، وهذا قول بعض البصريين.