والآيةُ أقْوَى من هذا ؛ لتقدُّم الشرط قَبْلَ " المَعْطُوف "، يعني : أن النَّصْب بإضْمَار " أن " في غَير تِلك المَوَاضِع ضَرُورَةٌ ؛ كالبيتِ المتقدم ؛ وكَقوْل الآخر :[ الطويل ]
......
وَيَأوِي إلَيْهَا المُسْتَجِيرُ فَيُعْصَمَا
وتبع الزَّمَخْشَرِي أبا الفَتْح في ذلك، وأنْشَدَ البَيْت الأوَّل.
وهذه المَسْألة جَوَّزها الكُوفيُّون لمدركٍ أخرَ، وهو أن الفِعْلَ الواقِع بين الشَّرْط والجَزَاء، يجوز فيه الرَّفْع والنَّصْب والجَزْمُ إذا وَقَعَ بعد الواوِ والفَاءِ ؛ واستدَلُّوا بقول الشاعر :[ الطويل ]
ومَنْ لا يُقَدِّمْ رِجْلَهً مُطْمَئِنَّةً...
فَيُثْبِتَهَا فِي مُسْتَوى الْقَاعِ يَزْلَقِ
وقول الآخر :[ الطويل ]
ومَنْ يَقْتَرِب مَنِّا ويَخْضَعَ نُؤوِه...
ولا يَخْشَ ظُلْماً مَا أقَامَ وَلاَ هَضْمَا
وإذا ثَبَتَ ذلك في الواوِ والفضاءِ، فليَجُزْ في " ثُمَّ " ؛ لأنها حَرْف عَطْفٍ.
وقرأ النَّخعيُّ، وطَلْحَة بن مُصَرِّف برفع الكَاف، وخَرَّجَها ابن جنِّي على إضْمَار مُبْتَدَأ، أي :" ثم هو يُدْرِكُه المَوْتُ " فعطَ جُمْلَةً اسمِيّةً على فِعْلِيَّةً، وهي جُمْلَة الشَّرْطِ : الفعلُ المَجْزُومُ وفاعلُه، وعلى ذلك حَمَل يُونُس قولَ الأعْشَى :[ البسيط ]
إنْ تَرْكَبُوا فَرُكُوبُ الخَيْلِ عَادَتُنَا...
أوْ تَنْزِلُون فَإنَّا مَعْشَرٌ نُزُلُ
أي : وأنتم تنزلون، ومقله قول الآخر :[ البسيط ]
إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ تَأتِيِنِي بَقِيَّتُكُمْ...
فَمَا عَلّيَّ بِذَنْبٍ عِنْدَكُمْ حُوبُ
أي : ثم أنتم تَأتيني، وهذا أوْجهُ من أن يُحْمَل على أن يَأتِيني.
قلتُ : يريدُ أنه لا يُحْمَلُ على إهْمَالِ الجَازِمِ، فيُرْفَعُ الفعل بعده، كما رفع في :
ألَمْ يَأتِيكَ والأنْبَاءُ تَنْمِي...
بِمَا لاَقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ


الصفحة التالية
Icon