وهذه الشواهد هي خير دليل على أنّ الهجرة هي إِحدى القوانين الخالدة للحياة، فهل يصح أن يكون الإِنسان أقل حظاً من الحيوان في هذا المجال ؟
وحين تتعرض، حياته المعنوية، وكيانه وأهدافه المقدسة التي هي أثمن وأغلى من حياته المادية إِلى الخطر، فهل يستطيع هذا الإِنسان البقاء في مكان الخطر متشبثاً بالأرض والمولد وغير ذلك متحم ألوان الذل والإِهانة والحرمان وسلب الحريات، والأهم من ذلك كلّه زوال أهدافه التي يعيش من أجلها ؟!
أو أن عليه أن يختار قانون الطبيعة في الهجرة، ويترك ذلك المكان، ويختار مكاناً آخر يتيسر فيه المجال لنموه المادي والمعنوي ؟
الطريف في هذا الأمر أنّ الهجرة ـ أي تلك الهجرة التي كانت لأجل حفظ النفس وحماية الشريعة الإِسلامية ـ تعتبر مبدأ ـ أو بداية ـ التاريخ الإِسلامي، وهي بذلك تعد البنية الأساسية لكل الأحداث السياسية والاعلامية والاجتماعية للمسلمين.
فلننظر لماذا انتخبت هجرة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مبدأ ـ أو بداية ـ للتاريخ الإِسلامي ؟
إِنّ هذا الموضوع جدير بالملاحظة، لأنّنا نعلم أن أي مجموعة بشرية صغرت أو كبرت، تتخذ لنفسها مبدأ أو بداية تاريخية تحسب منه تاريخها، يفالمسيحيون مث اتّخذوا بداية تاريخهم السنة التي ولد فيها عيسى(عليه السلام)، أمّا المسلمون فمع وجود أحداث مهمة كثيرة وقعت لهم قبل الهجرة، مثل يوم ولادة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويوم البعثة المحمّدية الشريفة، وفتح مكّة، ووفاة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنهم لم يتخذوا أي واحد من الأحداث مبدأ أو بداية لتاريخهم، بل اعتبروا حادثة الهجرة وحدها بداية للتاريخ الإِسلامي.