الثاني : أنه ليس المراد بهذه الآية صلاة السفر، بل صلاة الخوف، وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله وجماعة، قال ابن عباس : فرض الله صلاة الحضر أربعاً، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة على لسان نبيّكم محمد ﷺ، فهذان القولان متفرعان على ما إذا قلنا : المراد من القصر تقليل الركعات.
القول الثاني : أن المراد من القصر إدخال التخفيف في كيفية أداء الركعات، وهو أن يكتفي في الصلاة بالإيماء والإشارة بدل الركوع والسجود، وأن يجوز المشي في الصلاة، وأن تجوز الصلاة عند تلطخ الثوب بالدم، وذلك هو الصلاة التي يؤتى بها حال شدة التحام القتال، وهذا القول يروى عن ابن عباس وطاوس.
واحتج هؤلاء على صحة هذا القول بأن خوف الفتنة من العدو لا يزول فيما يؤتى بركعتين على إتمام أوصافهما، وإنما ذلك فيما يشتد فيه الخوف في حال التحام القتال، وهذا ضعيف، لأنه يمكن أن يقال : إن صلاة المسافر إذا كانت قليلة الركعات، فيمكنه أن يأتي بها على وجه لا يعلم خصمه بكونه مصلياً، أما إذا كثرت الركعات طالت المدة ولا يمكنه أن يأتي بها على حين غفلة من العدو.
واعلم أن وجه الاحتمال ما ذكرنا، وهو أن القصر مشعر بالتخفيف، والتخفيف كما يحصل بحذف بعض الركعات فكذلك يحصل بأن يجعل الإيماء والإشارة قائماً مقام الركوع والسجود.
واعلم أن حمل لفظ القصر على إسقاط بعض الركعات أولى، ويدل عليه وجوه : الأول : ما روي عن يعلى بن أمية أنه قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، كيف نقصر وقد أمنا، وقد قال الله تعالى :﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ﴾ فقال : عجبت مما عجبت منه، فسألت النبي ﷺ فقال :" صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وهذا يدل على القصر المذكور في الآية هو القصر في عدد الركعات، وأن ذلك كان مفهوماً عندهم من معنى الآية.


الصفحة التالية
Icon