الثاني : أن القصر عبارة عن أن يؤتي ببعض الشيء، ويقتصر عليه، فأما أن يؤتى بشيء آخر، فذلك لا يسمى قصراً، ولا اقتصاراً، ومعلوم أن إقامة الإيماء مقام الركوع والسجود، وتجويز المشي في الصلاة وتجويز الصلاة مع الثوب الملطخ بالدم، ليس شيء من ذلك قصراً، بل كلها إثبات لأحكام جديدة وإقامة لشيء مقام شيء آخر، فكان تفسير القصر بما ذكرنا أولى.
الثالث : أن ﴿مِنْ﴾ في قوله ﴿مِنَ الصلاة﴾ للتبعيض، وذلك يوجب جواز الاقتصار على بعض الصلاة، فثبت بهذه الوجوه أن تفسير القصر بإسقاط بعض الركعات أولى من تفسيره بما ذكروه من الإيماء والإشارة.
الرابع : أن لفظ القصر كان مخصوصاً في عرفهم بنقص عدد الركعات، ولهذا المعنى لما صلّى النبي ﷺ الظهر ركعتين، قال ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ الخامس : أن القصر بمعنى تغير الصلاة مذكور في الآية التي بعد هذه الآية، فوجب أن يكون المراد من هذه الآية بيان القصر بمعنى الركعات، لئلا يلزم التكرار، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٤ ـ ١٥﴾

فصل


قال الفخر :
قال الشافعي رحمه الله : القصر رخصة، فإن شاء المكلف أتم، وإن شاء اكتفى على القصر، وقال أبو حنيفة : القصر واجب، فإن صلّى المسافر أربعاً ولم يقعد في الثنتين فسدت صلاته، وإن قعد بينهما مقدار التشهد تمت صلاته، واحتج الشافعي رحمه الله على قوله بوجوه :
الأول : أن ظاهر قوله تعالى :﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة﴾ مشعر بعدم الوجوب، فإنه لا يقال ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ في أداء الصلاة الواجبة، بل هذا اللفظ إنما يذكر في رفع التكليف بذلك الشيء، فأما إيجابه على التعيين فهذا اللفظ غير مستعمل فيه، أما أبو بكر الرازي فأجاب عنه بأن المراد من القصر في هذه الآية لا تقليل الركعات، بل تخفيف الأعمال.


الصفحة التالية
Icon