وروي عن مجاهد أنه قال : لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل.
وهذا شاذ ؛ وقد ثبت من حديث أنس بن مالك : أن رسول الله ﷺ صلَّى الظهر بالمدينة أربعاً وصلَّى العصر بذي الحُلَيفة ركعتين.
أخرجه الأئمة، وبين ذي الحُليفة والمدينة نحوٌ من ستة أميال أو سبعة.
وعلى المسافر أن ينوِي القصر من حين الإحرام ؛ فإن افتتح الصلاة بنية القصر ثم عزم على المُقام في أثناء صلاته جعلها نافلة، وإن كان ذلك بعد أن صلّى منها ركعة أضاف إليها أُخرى وسلّم، ثم صلّى صلاة مقيم.
قال الأَبْهَرِيّ وابن الجلاب : هذا والله أعلم استحباب، ولو بنى على صلاته وأتمها أجزأته صلاته.
قال أبو عمر : هو عندي كما قالا ؛ لأنها ظُهر، سفرية كانت أو حضرية وكذلك سائر الصلوات الخمس.
واختلف العلماء من هذا الباب في مدّة الإقامة التي إذا نواها المسافر أتمّ ؛ فقال مالك والشافعيّ واللّيث بن سعد والطبريّ وأبو ثور : إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتمّ ؛ ورُوي عن سعيد بن المُسَيِّب.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوريّ : إذا نوى إقامة خمس عشرة ليلة أتمّ، وإن كان أقل قصر.
وهو قول ابن عمر وابن عباس ولا مخالف لهما من الصحابة فيما ذكر الطحاوي، ورُوي عن سعيد أيضاً.
وقال أحمد : إذا جمع المسافر مقام إحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر، وإن زاد على ذلك أتم، وبه قال داود.
والصحيح ما قاله مالك، لحديث ابن الحَضْرَميّ : عن النبيّ ﷺ أنه جعل للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام ثم يُصدر.
أخرجه الطحاوي وابن ماجه وغيرهما.
ومعلوم أن الهجرة إذْ كانت مفروضة قبل الفتح كان المقام بمكة لا يجوز ؛ فجعل النبيّ ﷺ للمهاجر ثلاثة أيام لتقضية حوائجه وتهيئة أسبابه، ولم يحكم لها بحكم المقام ولا في حيّز الإقامة، وأبقى عليه فيها حكم المسافر، ومنعه من مقام الرابع، فحكم له بحكم الحاضر القاطن ؛ فكان ذلك أصلاً معتمَداً عليه.