ثم يقال لأهل الظاهر : إن ظاهر هذه الآية يقتضي أن لا يجوز القصر إلا عند حصول الخوف الحاصل من فتنة الكفار، وأما لو حصل الخوف بسبب آخر وجب أن لا يجوز القصر، فإن التزموا ذلك سلموا من الطعن، إلا أنه بعيد، وإن لم يلتزموه توجه النقض عليهم، لأنه تعالى قال :﴿إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ﴾ وذلك يقتضي أن الشرط هو هذا الخوف المخصوص، ولهم أن يقولوا : إما أن يقال : حصل إجماع الصحابة والأمة على أن مطلق الخوف كاف، أو لم يحصل الإجماع، فإن حصل الإجماع فنقول : خالفنا ظاهر القرآن بدلالة الإجماع، وهو دليل قاطع فلم تجز مخالفته بدليل ظني، وإن لم يحصل الإجماع فقد زال السؤال، لأنا نلتزم أنه لا يجوز القصر إلا مع هذا الخوف المخصوص، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٨ ـ ١٩﴾
فصل
قال القرطبى :
روى مسلم عن عُروة عن عائشة قالت : فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين، ثم أتمها في الحضر، وأُقِرّت صلاة السفر على الفريضة الأُولى.
قال الزهرِيّ : فقلت لعروة ما بال عائشة تُتمّ في السفر ؟ قال : إنها تأوّلت ما تأوّل عثمان.
وهذا جواب ليس بمُوعِب.
وقد اختلف الناس في تأويل إتمام عثمان وعائشة رضي الله عنهما على أقوال : فقال معمر عن الزهري : إن عثمان رضي الله عنه إنما صلّى بمنًى أربعاً لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج.
وروى مُغيرة عن إبراهيم أن عثمان صلَّى أربعاً لأنه اتخذها وطناً.
وقال يونس عن الزُّهْرِيّ قال : لما اتخذ عثمان الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلّى أربعاً.
قال : ثم أخذ به الأئمة بعده.
وقال أيوب عن الزُّهْرِيّ، إن عثمان بن عفان أتَمّ الصلاة بمنًى من أجل الأعراب ؛ لأنهم كثروا عامئذ فصلّى بالناس أربعاً ليعلمهم أن الصلاة أربع.
ذكر هذه الأقوال كلها أبو داود في مصنَّفه في كتاب المناسك في باب الصلاة بِمنًى.