وذكر أبو عمر في ( التمهيد ) قال ابن جريج : وبلغني إنما أوفاها عثمان أربعاً بِمنًى من أجل أن أعرابياً ناداه في مسجد الخَيْف بمنًى فقال : يا أمير المؤمنين، ما زِلتُ أصلّيها ركعتين منذ رأيتك عامَ الأول ؛ فخشي عثمان أن يظن جهال الناس أنما الصلاة ركعتان.
قال ابن جُريج : وإنما أوفاها بِمنًى فقط.
قال أبو عمر : وأما التأويلات في إتمام عائشة فليس منها شيء يُرْوَى عنها، وإنما هي ظنون وتأويلات لا يَصحَبُها دليل.
وأضعف ما قيل في ذلك : أنها أُم المؤمنين، وأن الناس حيث كانوا هم بنوها، وكان منازلهم منازلها، وهل كانت أُم المؤمنين إلا أنها زوجُ النبيّ أبي المؤمنين ﷺ، وهو الذي سنّ القصر في أسفاره وفي غزواته وحجه وعُمَره.
وفي قراءة أُبَي بن كعب ومصحفه "النبي أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجهُ أُمهاتهُم وهو أبٌ لهم".
وقال مجاهد في قوله تعالى :﴿ هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ [ هود : ٧٨ ] قال : لم يكنَّ بناته ولكن كن نساءَ أُمّته، وكل نبيّ فهو أبو أُمّته.
قلت : وقد اعترض على هذا بأن النبيّ ﷺ كان مُشَرِّعاً، وليست هي كذلك فانفصلا.
وأضعف من هذا قولُ من قال : إنها حيث أتمّت لم تكن في سفر جائز ؛ وهذا باطل قطعاً، فإنها كانت أخوفَ لله وأتقى من أن تخرج في سفر لا يرضاه.
وهذا التأويل عليها من أكاذيب الشِّيعة المبتدِعة وتشنيعاتهم ؛ سبحانك هذا بهتان عظيم! وإنما خرجت رضي الله عنها مجتهدة محتسِبة تريد أن تطفىء نار الفتنة، إذ هي أحق أن يُستحيا منها فخرجت الأُمور عن الضبط.
وسيأتي بيان هذا المعنى إن شاء الله تعالى.
وقيل : إنها أتمّت لأنها لم تكن ترى القصر إلا في الحج والعمرة والغزوة.
وهذا باطل ؛ لأن ذلك لم يُنقل عنها ولا عُرف من مذهبها، ثم هي قد أتمت في سفرها إلى عليّ.


الصفحة التالية