وروى جابر بن عبد الله : أن النبيّ ﷺ صلّى كذلك بأصحابه يوم مُحارب خَصَفَة وبني ثعلبة.
وروى أبو هريرة : أن النبيّ ﷺ صلّى كذلك بين ضَجَنَان وعُسْفان.
قلت : وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيّكم ﷺ في الحَضَر أربعاً وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة.
وهذا يؤيد هذا القول ويَعْضُده، إلا أن القاضي أبا بكر بن العربيّ ذكر في كتابه المسمى ( بالقبس ) : قال علماؤنا رحمة الله عليهم هذا الحديث مردود بالإجماع.
قلت : وهذا لا يصح، وقد ذكر هو وغيره الخلاف والنزاع فلم يصح ما ادعَوْه من الإجماع وبالله التوفيق.
وحكى أبو بكر الرازيّ الحنفي في ( أحكام القرآن ) أن المراد بالقصر هاهنا القصر في صفة الصلاة بترك الركوع والسجود إلى الإيماء، وبترك القيام إلى الركوع.
وقال آخرون : هذه الآية مبيحة للقصر من حدود الصلاة وهيئتها عند المسايفة واشتعال الحرب، فأبيح لمن هذه حاله أن يصلي إيماءً برأسه، ويصلّي ركعة واحدة حيث توجه، إلى تكبيرة ؛ على ما تقدّم في "البقرة".
ورجح الطبرِيّ هذا القول وقال : إنه يعادله قوله تعالى :﴿ فَإِذَا اطمأننتم فَأَقِيمُواْ الصلاة ﴾ أي بحدودها وهيئتها الكاملة.
قلت : هذه الأقوال الثلاثة في المعنى متقاربة، وهي مبنية على أن فرض المسافر القصر، وأن الصَّلاة في حقه ما نزلت إلاَّ ركعتين، فلا قصر.
ولا يُقال في العزيمة لا جناح، ولا يُقال فيما شرع ركعتين إنه قصر، كما لا يُقال في صلاة الصبح ذلك.
وذكر الله تعالى القصر بشرطين والذي يعتبر فيه الشرطان صلاة الخوف ؛ هذا ما ذكره أبو بكر الرازيّ في ( أحكام القرآن ) واحتج به، ورُدّ عليه بحديث يعلى بن أُمية على ما يأتي آنفاً إن شاء الله تعالى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٣٦٠ ـ ٣٦١﴾.