قلت : قد جاء حديث بما قاله الجُرْجاني ذكره القاضي أبو الوليد بن رشد في مقدّماته، وابن عطية أيضاً في تفسيره عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : سأل قوم من التجار رسول الله ﷺ فقالوا : إنا نضرب في الأرض فكيف نصلّي ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة ﴾ ثم انقطع الكلام، فلما كان بعد ذلك بَحْول غزا رسول الله ﷺ فصلّى الظهر، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هَلاّ شددتم عليهم ؟ فقال قائل منهم : إن لهم أخرى في أثرها، فأنزل الله تعالى بين الصلاتين :﴿ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا ﴾ إلى آخر صلاة الخوف.
فإن صح هذا الخبر فليس لأحد معه مقال، ويكون فيه دليل على القصر في غير الخوف بالقرآن.
وقد رُوي عن ابن عباس أيضاً مثله، قال : إن قوله تعالى :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة ﴾ نزلت في الصَّلاة في السفر، ثم نزل ﴿ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا ﴾ في الخوف بعدها بعام.
فالآية على هذا تضمنت قضيتين وحكمين.
فقوله ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة ﴾ يعني به في السفر ؛ وتم الكلام، ثم ابتدأ فريضة أخرى فقدم الشرط ؛ والتقدير : إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصَّلاة.
والواو زائدة، والجواب ﴿ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ ﴾.
وقوله :﴿ إِنَّ الكافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً ﴾ اعتراض.