لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف " ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو يعلى الموصلي وفيه :" إن النبي ﷺ كان إذا نزل عليه دام بصره مفتوحة عيناه، وفرغ سمعه وقلبه لما يأتيه من الله عز وجل ".
ولما ذكر القاعد أتبعه قسيمه المجاهد بقوله :﴿والمجاهدون في سبيل الله﴾ أي دين الملك الأعظم الذي من سلكه وصل إلى رحمته ﴿بأموالهم وأنفسهم﴾ ولما كان نفي المساواة سبباً لترقب كل من الحزبين الأفضليبة، لأن القاعد وإن فاته الجهاد فقد تخلف الغازي في أهله، إذ يحيي الدين بالاشتغال بالعلم ونحوه ؛ قال متسأنفاً :﴿فضل الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿المجاهدين﴾ ولما كان المال في أول الأمر ضيقاً قال مقدماً للمال :﴿بأموالهم وأنفسهم﴾ أي جهاداً كائناً بالفعل ﴿على القاعدين﴾ أي عن ذلك وهم متمكنون منه بكونهم في دار الهجرة ﴿درجة﴾ أي واحدة كاملة لأنهم لم يفوقوهم بغيرها، وفي البخاري في المغازي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :" لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر ".
ولما شرك بين المجاهدين والقاعدين بقوله :﴿وكلاً﴾ أي من الصنفين ﴿وعد الله﴾ أي المحيط بالجلال والإكرام أجراً على إيمانهم ﴿الحسنى﴾ بين أن القاعد المشارك إنما هو الذي يه قوة الجهاد القريبة من الفعل، وهو التمكن من تنفيذ الأمر بسبب هجرته لأرض الحرب وكونه بين أهل الإيمان، وأما القاعد عن الهجرة مع التمكن فليس بمشارك في ذلك، بل هو ظالم لنفسه فإنه ليس متمكناً من تنفيذ الأوامر فلا هو مجاهد بالفعل ولا بالقوة القريبة منه، فقال :﴿وفضل الله﴾ أي الملك الذي لا كفوء له فلا يجبر عليه ﴿المجاهدين﴾ أي بالفعل مطلقاً بالنفس أو المال ﴿على القاعدين﴾ أي عن الأسباب الممكنة من الجهاد ومن الهجرة ﴿أجراً عظيماً﴾ ثم بينه بقوله :﴿درجات﴾ وعظمها بقوله :﴿منه﴾ وهي درجة الهجرة، ودرجة التمكن من الجهاد بعد الهجرة ودرجة مباشرة الجهاد بالفعل.