قوله تعالى :﴿ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ﴾

فصل


قال الفخر :
قوله :﴿ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ﴾ في محل النصب على الحال، والمعنى تتوفاهم الملائكة في حال ظلمهم أنفسهم، وهو وإن أضيف إلى المعرفة إلا أنه نكرة في الحقيقة، لأن المعنى على الانفصال، كأنه قيل ظالمين أنفسهم، إلا أنهم حذفوا النون طلباً للخفة، واسم الفاعل سواء أُريد به الحال أو الاستقبال فقد يكون مفصولاً في المعنى وإن كان موصولاً في اللفظ، وهو كقوله تعالى :﴿هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ [ الأحقاف : ٢٤ ] ﴿هَدْياً بالغ الكعبة﴾ [ المائدة : ٩٥ ] ﴿ثَانِىَ عِطْفِهِ﴾ [ الحج : ٩ ] فالإضافة في هذه المواضع كلها لفظية لا معنوية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٠ ـ ١١﴾
وقال ابن عاشور :
وظلم النفس أن يفعل أحد فِعلا يؤول إلى مضرّته، فهو ظالم لنفسه، لأنّه فعل بنفسه ما ليس من شأن العقلاء أن يفعلوه لوخامة عقباه.
والظلم هو الشيء الذي لا يحقّ فعله ولا تَرضى به النفوس السليمة والشرائعُ، واشتهر إطلاق ظلم النفس في القرآن على الكفر وعلى المعصية.
وقد اختُلف في المراد به في هذه الآية، فقال ابن عباس : المراد به الكفر، وأنّها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا قد أسلموا حين كان الرسول ﷺ بمكة، فلمّا هاجر أقاموا مع قومهم بمكة ففتنوهم فارتدّوا، وخرجوا يوم بدر مع المشركين فكثَّروا سواد المشركين، فقُتلوا ببدر كافرين، فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين ولكنّهم أكرهوا على الكفر والخروج، فنزلت هذه الآية فيهم.
رواه البخاري عن ابن عباس، قالوا : وكان منهم أبو قيس بن الفاكِه، والحارث بن زمْعة، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج ؛ فهؤلاء قتلوا.
وكان العباس بن عبد المطلب، وعَقيلٌ ونوفلٌ ابنا أبي طالب فيمن خرج معهم، ولكن هؤلاء الثلاثة أسِروا وفَدَوْا أنفسهم وأسلموا بعد ذلك، وهذا أصحّ الأقوال في هذه الأية.


الصفحة التالية
Icon