ومن فوائد العلامة القونوى فى الآية الكريمة :
قال رحمه الله :
فاتحة القسم الثاني
قوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
ولنبدأ أوّلا بعون اللّه ومشيئته بذكر ما يقتضيه ظاهر اللسان ومرتبته، ثم نرقى منه وفيه بالتدريج إلى الباطن، ثم الحدّ والمطلع والأمر المحيط الحاكم على الجميع، كما يسّر اللّه ذلك فيما مرّ. فنقول :
" إيّا " ضمير منفصل للمنصوب، واللواحق التي تلحقه من الكاف والهاء والياء في " إيّاك " و" إيّاه " و" إيّاي " لبيان حكم المتكلّم والغائب والمخاطب، ولا محلّ لها عند
المحقّقين من أرباب اللسان من الإعراب، كما لا محلّ للكاف في " أرأيتك " وليست بأسماء مضمرة مقصودة. وما حكاه الخليل عن بعضهم أنّه " إذا بلغ الرجل الستّين فإيّاه وإيّا الشوابّ " فشاذّ لا يعوّل عليه.
و" العبادة " في اللغة : أقصى غايات الخضوع والتذلّل، ومنه ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة وقوّة النسج. كأنّه إشارة إلى قبوله الانفعال والتأثير القوي. وأرض معبّدة :
مذلّلة.
وأمّا سرّ باطن ظاهر إِيَّاكَ نَعْبُدُ الآية، هو أنّه لمّا ذكر الحقيق بالحمد، وأجرى عليه صفات العظمة والجلال، ونعته بنعوت الكمال، تعلّق العلم أو الذهن بمتصوّر عظيم الشأن، جدير بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة به في المهمّات، فخوطب ذلك المعلوم أو المتصوّر المتميّز، بتلك الصفات حين تعيّن مرتبته وصورة عظمته في ذهن المناجي، بحسب معتقده فيه الذي عليه يترتّب إسناد تلك الصفات إليه.