وقيام المناجي حالتئذ في مقام العبوديّة المقابلة للربوبيّة المستحضرة له عقيب ذلك بإيّاك نعبد يا من هذه صفاته، إشارة إلى تخصيصه بالعبادة وطلب الاستعانة منه، أي لا نعبد غيرك ولا نستعينه اقتصارا عليه وانفرادا له وليكون الخطاب أدلّ على أنّ العبادة لذلك المتميّز بذلك المتميّز الذي لا تتحقّق العبادة إلّا به وإقران العبادة بالاستعانة للجمع بين ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته. وتقديم العبادة على الاستعانة كتقديم الوسيلة على طلب الحاجة رجاء الإجابة، كما نبّه سبحانه على ذلك بقوله : إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ الآية وإطلاق الاستعانة لتناول كلّ مستعان به.
وبعد أن ذكرنا في هذه الآية ما استدعاه ظاهر مقامها من إلماع بطرف من الباطن، فلنرق منه إلى ما فوقه، ولنذكّرك أوّلا أيّها المتأمّل بما أسلفناه قبل في حقيقة الذكر والحضور، في بيان سرّ جواب الحقّ عبده التالي المصلّي حين قوله : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ :
" ذكرني عبدي "
الحديث لمسيس الحاجة إليه هاهنا. ثم نقول :
اعلم، أنّ اللّه سبحانه قد نبّه الألبّاء على بعض أسرار ما نحن بصدد بيانه تنبيها خفيّا بقوله : لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ