وكلّ عابد لشيء فإنّه متوجّه إلى معبوده لا محالة، وتوجّهه إليه مسبوق بما بعثه على ذلك التوجّه، وباعثه على التوجّه يتعيّن بحسب ما استقرّ عنده من المتوجّه إليه، والمستقرّ عنده صورة علميّة منتشية من دلائل ومقدّمات تفيد الجزم اليقيني في زعمه، أو صورة ذهنيّة متحصّلة من أقاويل مسموعة، أو آيات وآثار مشهودة دالّة على أمور يزعم أنّها كمالات، وأنّها حاصلة لمن تضاف إليه تلك الآثار، وتستند إليه تلك الكمالات، فحالما تصوّر تلك الصفات قائمة بموصوف مّا منفرد بها دون غيره حكم بأنّه مستحقّ للعبادة، فرغب في اللجأ إليه والتعبّد له خوفا وطمعا، أو استحسانا.
هذا، مع أنّه قد يكون ما حكم به لمن نسبت إليه تلك الصفات ودلّت عليه الآثار والآيات المسموعة والمدركة صحيحا ثابتا لذلك الموصوف، وقد لا يكون كذلك إلّا في زعم المعتقد لا في نفس الأمر، أو تكون تلك الصفات والآثار ونحوهما ثابتة لغير من أضيفت إليه، وتلك الأقاويل دالّة على تشخّصات متعيّنة في أذهان القائلين بحسب آرائهم وحدسهم وتصوّراتهم، فهي - أعني تلك الصور الذهنيّة الاعتقاديّة - من حيث أوّل حادس ومستحضر ما أنشأ تصوّره منفعلة عنه، ومن حيث السامع الأوّل القائل المستعبد نفسه من حيث هي بحسب ما ثبت في نفسه وتصوّره منها لقول القائلين منفعلة مرّة أخرى، وهلمّ جرّا.
فالشخص إذا مستعبد نفسه لما انتشى في ذهنه، وكان ناشئا أيضا عن صورة أخرى منفعلة عن متصوّر آخر بتصوّر هو بالأصالة منفعل، هكذا ذاهبا إلى أوّل فاعل منفعل وكون الأمر كما تصوّر فإنّه يمكن أن يكون المتوجّه إليه بالعبادة فاعلا من حيث هو، ومنفعلا من حيث تعيّنه في تصوّرات العقول والأذهان والظنون والأوهام، أو ليس كذلك.
فيه : نظر. أمّا في طور العقل فلا شكّ في فساده وبطلانه لما يستلزم ذلك من المحالات