التي لا حاجة بنا إلى الخوض فيها، كتجويز انضباط الحقّ وتعيّنه في تصوّر أحد على ما هو عليه في نفسه، مع استحالة ذلك في نفس الأمر، فافهم.
ثم نقول : وقد يكون الحاصل في نفس العابد المتوجّه أمرا متركّبا من موادّ عقليّة ومدركات حسّيّة، ومن مسموعات ومظنونات، فالإدراك - على اختلاف ضروبه المعنويّة والحسّيّة - تابع للمدرك، فتوجّه كلّ من شأنه ما ذكر ليس إلّا إلى صور منشآت في الأذهان شخصتها نفوس المتوجّهين من موادّ ظنونها وآرائها، أو ممّا انتقل إليها من مشخّصات أذهان من حكى لها، أو نقل إليها أو هي منتزعة من صفات وآثار وآيات قرّر المنتزع إضافتها وثبوتها لموصوف بها ومنسوب إليه جميعها، وأنّ ذلك كمال في زعمه، بمعنى أنّ من هو بهذه المثابة فجدير أن يعبد.
هذا، مع اعتراف كلّ منصف هذا شأنه أنّه حال حكمه بمثل هذا الحكم وتصوّره هو في نفسه ناقص، وتصوّره وغير ذلك من صفاته تابع له لأنّ الصفة تتبع الموصوف كما قلنا في الإدراك.
فالحاصل في ذهنه من صورة الكمال - الذي يجب أن يكون حاصلا للمعبود - صورة ناقصة، والمنسوب إليه ذلك الكمال - الثابت نقصه بما ذكرنا وغيره - مجهول عنده، فأين المطابقة المشاهدة بصحّة التصوّر الذي يتبعه الحكم التصديقي؟ وقد ثبت أنّ حاصل ما أشرنا إليه كونه إنشاء في حال نقصه صورة ناقصة في الكمال، متحصّلة من أجزاء وهميّة وخياليّة، أو استجلاءات نظريّة ضعيفة غير مطابقة لما قصد تصوّره، ثم جعلها قبلة توجّهه وتوقّع منها السعادة والمغفرة وقضاء الحوائج، أليس اللّه يقول : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ألست تعلم أنّ الذي أنشأته في ذهنك منفعل مثلك، بل أنزل درجة منك، من حيث إنّك منشئه.