وأمّا الإنسان فلمّا توقّف ظهور صورته على توجّه الحقّ بالكلّيّة إليه حال إيجاده، وباليدين، كما أخبر سبحانه ولإحدى يديه الغيب، وللأخرى الشهادة، وعن الواحدة ظهرت الأرواح القدسيّة، وعن الأخرى ظهرت الطبيعة والأجسام والصور، ولهذا كان الإنسان جامعا لعلم الأسماء كلّها ومنصبغا بحكم حضراتها أجمع، ما اختصّ منها بالصور وكلّ ما يوصف بالظهور، وما اختصّ منها بكلّ ما بطن من الأرواح وغيرها، ممّا يوصف بالغيب والخفاء، فلم يتقيّد بمقام يحصره حصر الملائكة، كما أشارت بقولها : وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ. ولا حصر الأجسام الطبيعيّة، وبذا وردت الإخبارات الإلهيّة بلسان الشرائع وغيرها فتوجّه الإنسان الحقيقي - إن تحرّر من رقّ المقامات، وارتقى وخلص بالاعتدال الكمالي الوسطي عن أحكام جذبات الأطراف والانحرافات - إلى حضرة الهويّة التي لها أحديّة جمع الجمع، المنعوتة بالظهور والبطون، والأوّليّة والآخريّة والجمع والتفصيل، وقد مرّ للمتأمّل في الحديث عنها ما قدّر ذكره وبيانه، وسنزيد ذلك تفصيلا، - إن شاء اللّه تعالى - وإن مال - أعني الإنسان - عن الوسط المشار إليه إلى طرف لمناسبة جاذبة قاهرة، وغلب عليه حكم بعض الأسماء والمراتب فانحرف، استقرّ في دائرة ذلك الاسم الغالب، وارتبط به وانتسب إليه، وعبد الحقّ من حيث مرتبته، واعتمد عليه، وصار ذلك الاسم منتهى مرماه وغاية مبتغاه ووجهه من حيث حاله ومقامه، حتى يتعدّاه.